وقد عرضت هذه الأمثلة متتابعة دون أن أقف عند واحد منها لأعود إليها جملة. فهذه القطع تصور أهم جانب في حياة صقلية، وهو حياة الجهاد والفتن، ولعلك تلمح خصائص تنظيمها فكلها صاخب بالحركة، تضطرب وتهتز حسبما تضطرب المعركة وتهتز، وفيها هذه المبالغة التي لابد منها لتكبير الصورة وخاصة صورة الحرب، فالخوف يتمثل على اشده في خوف العضو من أخيه، والعيون لا تستقر على متن السسيف، لأنه كالزئبق المترجرج، والأرض في عين الخائف كقلبه اضطراباً، ونلمح في هذه الصور المنتزعة من غير قطعة واحدة أن الشاعر يجيد تصوير الاهتزاز والاضطراب، ولا تنس جمعه في السيف بين الماء والنار فهي الصورة التي تلاقينا كثيراً في الشعر الصقلي، والشاعر كغيره من الصقليين تستولي عليه حياة القتال فتتدفق صورها في شعره كقوله:
واعلم بأنك إن غزوت نداهما ... بلواء مدحهما فإنك ظافر وقوله في تأييد النعمة بنعمة أخرى:
فابعث وليا إلى وسميها مددا ... إن الكتائب منصور تواليها تلك كانت صلته مع الأمراء الكلبيين في المعارك والفتن، أما في حياة السلم فهو يعزى الأكحل بعد ما تألبت عليه صقلية بقوله:
لا تفرحن ولا تحزنْ ... عليك بالخبر أو بالشر لم يدم
في كل أمر وإن طالت نجاحته ... حكمُ التعاقب في الأنوار والظلم وتارة أخرى يقول له:
أرى كل شيء له دولةٌ ... لحكم التعاقب فيها عَملْ
فلا تفرحن ولا تحزننّ ... لشيء إذا ما تناهي انتقل وهذا معناه أن ابن الخياط وقف مع الأكحل خاصة لما ثار عليه الصقليون ومع بني أبي الحسين عامة، وأخلص لهم ولم يكن في حبه شاذاً، فقد كان أمراء هذه الأسرة محبوبين عند أهل صقلية، وكان فريق كبير منهم فيها يؤيدهم