للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفتح حتى يستولي على الجزيرة كلها، غير أن قيام ميسرة السقاء بثورة في إفريقية اضطره إلى العودة وأحبط سعيه. وكانت الحوادث في إفريقية مشغلة للمسلمين، فحولت جهودهم عن صقلية. والحق أن تلك الغزوات أضافت لي خزينة الدولة شيئاً من المال ولكنها كانت إحدى العقبات في سبيل الفتح حين جاء أوانه، لأنها نهبت الروم إلى مدى الأطماع في نفوس العرب الفاتحين، وجعلتهم يتخذون من صقلية قاعدة لحماية الإمبراطورية عند حدودها الجنوبية، فعمروا فيها الحصون والمعاقل، حتى لم يتركوا جبلا إلا وبنوا عليه حصناً وصاروا يخرجون في كل عام مراكب تطوف بالجزيرة وتذب عنها، وربما صادفوا تجاراً من المسلمين فأخذهم (١) .

إنما كان الفتح نتيجة لحادث من تلك الحوادث المتكررة على مسرح السياسة بصقلية، فأن رجلا اسمه فيمي Euphemius ثار على قسطنطين بطريق صقلية، لأن البطريق أراد أن يقبض عليه ويعذبه بأمر من حكومة القسطنطينية. وسواء أكان فيمى طامعاً من أولئك الطامعين، ثار في سرقوسة وأخفق، فلجأ إلى المسلمين، أم أنه اختطف فتاة جميلة كانت قد لجأت إلى دير وشكاه أهلها إلى الإمبراطور، أم أنه أحب هومونيزه omoniza الجميلة واغتصبها منه صاحب صقلية (٢) فذهب يستعين بالقيروان عليه؟ سواء كان هذا السبب أو ذاك، فالذي حدث فعلا أن فيمي لجأ إلى بني الأغلب، يطلب منهم المعونة.

وكانت بين أفريقية وصقلية هدنة لم تنقض مدتها، ولذلك جمع زيادة الله وجوه أهل القيروان وفقهاءها، وفيهم أسد بن فرات وأبو محرز القاضيان وسحنون الفقيه، واستشارهم في الأمر وجلس المجتمعون يقررون مصير صقلية، أتظل هذه الجزيرة للإمبراطور أم تكون لخليفة بغداد؟ أتبقى قطعة من القارة الأوربية أم تصبح جزءاً من أفريقية؟ وانقسم الناس فريقين: أقلية معتدلة


(١) ابن الأثير ٥/٨٩ والمكتبة الصقلية: ٢٢٠.
(٢) انظر أماري S.D.M المجلد الأول: ٣٦٧ - ٣٨١ عن الأسباب المقترنة بثورة فيمي.

<<  <   >  >>