للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متريثة لا ترى الغزو ولا تشير به، فيها سحنون الذي سأل المجتمعين كم بينها وبين بلاد الروم، قالوا: يروح الإنسان مرتين وثلاثة في النهار ويرجع قال: ومن ناحية إفريقية؟ قالوا يوم وليلة قال لو كنت طائراً ما طرت عليها (١) .

وفريق متطرف متمحس، ينظر أفراده إلى الأمر نظرة دينية، ويعدون القيام به جهاداً في سبيل الله، وإعزازاً لدينه، وغلب سحنون على رأيه، وبقي للأيام أن تظهر بعد نظرة، وأن صقلية في موقعها لا يمكن أن تكون جزءاً من أفريقية، وبقي للأيام أن تثبت مرارة الجهاد عند من تحمسوا له، وبقي أيضاً شيء واحد لم يكن له لولا الحماسة الدينية من حل: هو الهدنة وكيف يستبيح الفقهاء أن يفتوا زيادة الله بنقضها؟ وعرض الأمر على أسد وأبى محرز وعاد التطرف والاعتدال يقفان موقفهما من تلك المشكلة. فأما أبو محرز فآثار التريث، وأما أسد فرأى أن يسأل رسل الصقليين ليعرف هل لديهم في صقلية أسرى من المسلمين. قال أبو محرز: وكيف نقبل قول الرسل عليهم أو دفعهم عنهم؟ فقال أسد: بالرسل هادناهم وبالرسل نجعلهم ناقضين.

قال الله عز وجل: " فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون " فكذلك لا نتماسك به ونحن الأعلون (٢) .

وحلت العقدة أو تحلل زيادة الله من الهدنة، حين أقر الرسل بوجود الأسرى من المسلمين في صقلية، وأذن بالغزو وعهد بالقيادة إلى أسد، وأقلع الأسطول من مدينة سوسه يوم السبت، النصف من شهر ربيع الأول سنة ٢١٢ في نحو مائة مركب، سوى مراكب فيمي (٣) وأعاد التاريخ نفسه: هذه هي صقلية تغزي مرة ثانية من شمال أفريقية كما غزيت أول مرة على يد الفينيقيين، وهذا هو جيش أسد بن الفرات يدخل صقلية من الجهة التي دخلها منها الفينيقيون أيضاً، وها هي الجموع السامية تقاتل كما قاتلت من قبل


(١) النويزي في المكتبة: ٤٢٧ - ٤٢٨.
(٢) رياض النفوس في المكتبة: ١٨٢ - ١٨٣.
(٣) النويري في المكتبة: ٤٢٨.

<<  <   >  >>