للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طمعت بهذا كله في لقائكم ... لتغرم نفسٌ اتلفتْ بغرام وأقام في أغمات مدة قريباً من المعتمد واتصل بأبي القاسم قاضي سلا (١) ومدحه، ولكن مقامه لم يطل وعاد إلى المهدية - إلى الأمير تميم فمدحه ومدح بيجاية المنصور بن الناصر بن علناس، ثم اختص بمدائحه بعد تميم ابنه يحيى وعلي بن يحيى والحسن بن علي. وفي هذه الفترة الطويلة يجد الدارس قصائد تصور العلاقة بين صقلية النورمانية وشمال إفريقية ويستشف منها كيف وقفت الأيام بابن حمديس وقفة من يهاجم أعداء بلده لا بالسيف والرمح ولكن بالشعر.

وطال به العهد في إفريقية في ظل بني باديس وغيرهم، وظل يتردد ما بقي من عمره الطويل بين المهدية وبونة وبجاية وميورقة وفقد بصره في أواخر حياته (٢) وأصبحت العصا ضرورة لازمة له، ومرة نراه يدخل على كرامة بن المنصور صاحب بونة، وهو كفيف البصر، فيقول له كرامة: كيف حال الشيخ فيجيبه كيف حال من كان صاحب عينين فصارتا غينين فقال له كرامة: " خذ هذه العصا وتعكز عليها " فمد يده لاماً باعه بعد ذلك بثلاثين ديناراً (٣) . ومع ذلك فإنه لم يشر إلى فقدان بصره في شعره، وفي الثمانين من عمره كان نشاطه الفني لا يزال قوياً - على ضعفه وشيخوخته - فكم رئى من أناس ماتوا وهو في تلك السن، وكم نظر إلى الثمانين وهو لايصدق أنه بلغها، وكأن رثاءه للناس كان رثاء يمهد به للبكاء على نفسه، زكأن توقد الشعلة في ذلك العام كان إيذاناً بانطفائها وفناء ذلك " العنصر " الحساس. وفي شهر رمضان عام ٥٢٧ توفي ودفن بيجاية. أما القول بأنه دفن في ميورقة بجانب ابن اللبانة (٤) فخلط بينه وبين أبي العرب الصقلي، لأن ابا العرب هو الذي دفن بميورقة إلى جانب الشاعر المذكور (٥)


(١) الديوان: القصيدة رقم ٣٥٦ ورواية الذخيرة أكمل.
(٢) أشار ابن خلكان إلى أنه عمى انظر المكتبة: ٦٢٦ ورواية السلفي تؤيد ذلك.
(٣) السلفي: المعجم المجلد الثاني الورقة ٢٨٢.
(٤) هو نص ابن خلكان في المكتبة: ٦٢٦.
(٥) التكملة: الترجمة رقم ٥١١ وفيها أن أبا العرب كان طوالا وابن اللبانة دحداحا.

<<  <   >  >>