للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي هذا الشعر - والشعر الذي قاله في صباه عامة - قوة الشباب واندفاعه وحرارته وحدة شهواته وصوره المستمدة من حياة القتال ومن دفاع الروم ومن مهاجمة الحصون. وقد ظل ابن حمديس عاكفاً على هذه الصور يحبها لأنها كانت جزءاً من شبابه، وبعد أن خفت صوت الشباب عنده، ظل قوي الشهور جارف الرغبات، يكلف بوصف المعارك البحرية خاصة.

وقد بقي ثماني سنوات بعد خروجه من صقلية وهو يعلق أملا كبيراً على جهاد ابن عباد الصقلي وبني حمود بقصريانة وجرجننت، ويتوقع أن يكلل جهادهم بالنصر في النهاية. وكانت هذه الفترة كلها في الأندلس وفيها نظم قصائده " الصقليات " وهو في طور مزهر بالآمال، وفها أيضاً نظم القصائد التي يبكي فيها صقلية إثر سقوطها مباشرة (١) .

وفي القصائد التي كانت في عهد الرجاء نجده يفتخر بقومه " بني الثغر " الذين يغذي فطيمهم من حلب الأوداج، ويثنى على شجاعتهم وحربهم للروم في البر والبحر، ونكاية سفنهم ونفطها المحرق في أعدائهم، ويقر لعدوه بالقوة شأن الفارس الذي لا يفخر فخراً كاذباً:

ومتخذي قمص الحديد ملابساً ... إذا نكل الأبطال في الحرب اقدموا (٢)

كأنهم خاضوا سراباً بقعة ... ترى للدبا فيها عيوناً عليهم

صبرنا بهم صبر الكرام ولم يسغ ... لنا الشهد غلا بعد ما ساغ علقم وفي كل قصيدة من هذه القصائد " خاتمة حنين " إلى الوطن هي اضعف في القصيدة من حيث النفسية:

أحن إلى أرضى التي في ترابها ... مفاصلُ من أهلي بلين وأعظمُ

كما حن في قيد الدجى بمضلة ... إلى وطن عوْدٌ من الشوق يرزمُ


(١) القصائد التي نظمها في دور الأمل بنجاح المقاومة هي ٢٦٩، ٢٧٠، ٢٧٥ والقصائد التي قالها يبكي الوطن إثر سقوطه هي ١٥٧، ٢٣٨، ٢٧ (بعد سقوطه بسنين) .
(٢) رقم ٢٦٩.

<<  <   >  >>