للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونراه في قصيدة أخرى يحرض " بني الثغر " على الجهاد، ويدعوهم إلى أن يتركوا النوم، وأن يردوا وجوه الخيل نحو معركة تتكشف للروم عن ثكل ويتم، ويصولوا عليهم بالسيوف، وينفذ من ذلك إلى تذكيرهم بحق الوطن وعلوه على كل بلد آخر (١) :

ولله أرض إن عدمتم هواءها ... فأهواؤكم في الأرض منثورة النظم

وعزكمُ يفضي إلى الذل والنوى ... من البين ترمي الشمل منكم بما ترى

فإن بلاد الناس بلادكم ... ولا جارها والحلم كالجار والحلم

أعن أرضكم يغنيكم ارض غيركم ... وكم خالة جداء لم تغن عن أم

أخلى الذي ودى بود وصلته ... لدى كما نيط الولي إلى الوسمى

تقيد من القطر العزيز بموطن ... ومنْ عند ربع من ربوعك أو رسم

وإياك يوماً أن تجرب غربة ... فلن يستجيز العقلُ تجربةَ السّمّ وفي هذه القصيدة يتكىء ابن حمديس على قوته الخطابية، ويستفيد من تجربته التي عرفها في الحياة - تلك الغربة أو ذلك السم الذي ذاقه - ولا يريد لغيره أن يجربه، ولذلك يحرض أخاه في الوطن أن يموت مدافعاً عن وطنه، فذلك أجدى عليه من الضرب في بلاد الناس. ولا ندري أي روح أشاعتها هذه النصائح في نفوس السرقوسيين، وأي قوة بعثتها في دمائهم، ولكن الذي ندريه حقاً أن هذه النغمة لم تطل، فلم تلبث سرقوسة أن سقطت، وغرق ابن عباد الذي كان يحيي الأمل في نفس الشاعر، وسقطت قصريانة وعرقت الأحلام التي كانت تراوح ابن حمديس وتغاديه في كأس من الياس، وسقطت دمعة كان يحبسها وتحدثه نفسه أن اليوم الذي يذرفها فيه لم يحن بعد (٢) :

أعاذل دعني أطلق العبرة التي ... عدمتُ لها من أجمل الصبر حابسا


(١) رقم ٢٧٠.
(٢) رقم ١٥٧.

<<  <   >  >>