للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصلى نعي قريب صقلي أو صديق - وكانت أكثر ذكرياته من وطنه تتصل بمتعة الشباب وصداقاته، أي تتصل بالأشخاص، وفي إحدى القصائد نراه يذكر الوطن بأزهاره فقد رأى النيلوفر مرة وقال:

هو ابن بلادي كاغترابي اغترابه ... كلانا عن الأوطان أزعجه الدهر وهذه العلاقة بالناس وذلك الحب لهم يفسران لنا جانباً هاماً من شخصية ابن حمديس الشاعر الذي كان يحب الجماعة ولا يقوى على العزلة، آما النقمة التي قد تصادفنا في ديوانه على الناس وأهل الدهر فنقمة عارضة تمليها حوادث عارضة.

ولما كان هذا البحث لا يتحمل دراسة الآثار التي تركتها صقلية في نفسه وشعره بالتفصيل - لأن شعره أثناءها بغير صقلية - فإني أجمل تلك الآثار إجمالا:

١ - قضى ضياع الوطن بتغير فلسفته في اللذة - كما أشرت من قبل - وبعد أن كانت الخمر غاية في نفسها أصبحت عوناً له على نسيان الهموم. ولقوة همومه أصبحت الخمر أداة تحركها بدلا من أن تخمدها، وقد لمح هو هذه الظاهرة في حياته، في قصيدة لعلها من القصائد التي قالها بعد سقوط صقلية فقال:

يجر على شرب الراح هما ... ويورثُ قلبي الشدوُ اكتئابا

وفي خلق الزمان طباع خلف ... تمررُ في فمي النغب العذابا ٢ - ومن ثم اتصل الحزن بقلبه وبحياته، فقضي طول عمره يبكي مصائب الناس ويشاركهم في أتراحهم. نعم إن نصيبه من الشعور الإنساني كان وافراً ولكنه كان في كل مصيبة جديدة يبكي صقلية القديمة، وكانت الجزيرة تحضر

<<  <   >  >>