إلى كلمة " يستعظم " كيف أضعفت من شأن المنظر ولم تجعله عظيما بحال، إنها دليل فقر في القدرة على التعبير عند الشاعر. وهذا يجعلنا نلتفت إلى القصيدتين السابقتين ونرى فيهما مثل هذه الظاهرة لا في الألفاظ فحسب بل في ضعف التراكيب في تلك الصيحات التعجبية من مثل: لله منصورية، لله بحر النخلتين، وأعجب بمنزلها.. إلخ لنضيف فقراً آخر قد ذهب بالتأثر الصحيح والانفعال الصادق. ثم ما هذا الانتقال من فوارة البحرين إلى إعلامها أو إعلامنا أنها قسمت في تسعة جداول؟ ثم لماذا " حبذا جريانها المتقسم " هذا عجز يدل على أن الإحساس بالمنظر ميت أو معدوم أصلا في نفس الشاعر.
وطريقة الشاعر في الوصف أن يعدد المناظر التي رآها كلا على حدة كأن يقول:
وكأن أغصانً الرياض تطاولت ... ترنو إلى سمك المياه وتبسم
وكأن نارنج الجزيرة إذ زها ... نارٌ على قُضُب الزبرْ جد تُضرم
وكأنما الليمون صفرة عاشقٍ ... قد باتَ من ألم النوى يتألم
والنخلتان كعاشقين استخلصا ... حذر العدا حصناً منيعاً منهمُ وهذه هي الطريقة التي رأيناها عند ابن حمديس وغيره من شعراء العصر السابق، والخيط الذي يربط بين أجزاء قصيدته هو حروف التشبيه، فإذا وصل إلى النخلتين انصرف عن كل منظر آخر سواهما وأطال الوقوف نسبياً عندهما. ولأورد أبياته فيهما قبل أن أحاول استكشاف السبب الذي دفعه إلى ذلك:
والنخلتان كعاشقين استخلصا ... حذر العدا حصناً منيعاً منهم
أو ريبة علقتهما فتطاولا ... يتّهيبان ظنون من يتوهم
يا نخلتيْ بحْريْ بلرْمَ سقيما ... صَوْبَ الحيا بتواصلٍ لا يُصْرم