للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هنيما مرّ الزمان ونلتما ... كل الأماني والحوادث نوم

بالله فيئا واسترا أهلً الهوى ... فبأمن ظلكما الهوى يتحرم ولكي نفهم سر هذا العشق للنخلة لابد من أن نعرف أن هنالك معنى مبهماً يحوم الشاعر حوله من أول القصيدة إلى آخرها، ومهما ينصرف عنه فإنه يعود إليه من جديد، وذلك المعنى المبهم هو " الهوى " - الهوى الذي لا يعرف حدوداً، ويكفي أن يكون أي هوى كان حتى يصلح لذلك المسرح الذي يخيم فيه الغرام. ثم لا بد أن نضيف إلى ذلك الهوى المبهم تلك الثنائية التي تأسر الشاعر أسراً قوياً: فالفوارة هي فوارة البحرين أو الخليجين، والبحر بحر النخلتين، والماء يجري في مفرعين، والماء يذكر مع البسيطة كالدر على العندام، والحوت في الماء يقابل الطير في أعالي الشجر، والنخلتان؟ هذه الثنائية تفسر ذلك الهوى المكبوت فالشاعر يرى الازدواج في الطبيعة ويفقده في حياته، وأجل ما يرمز إلى هذا الازدواج النخلتان اللتان ترتفعان بين تلك الأشجار بقامة إنسانية جذابة فهو يدعو للنخلتين بالهناءة طوال الأيام وبأن تنالا الأماني والحوادث عنهما غافلة - دعوات غريبة حقاً. ثم لم كانت الوقفة عند النخلتين لا عند أي شجرتين أخريين؟ وربما كان من أسباب ذلك تفردهما بطول يلفت النظر، وربما كان أقوى من هذا السبب ألفه يجدها الشاعر بين قلبه والنخلة لو كانت مما تورث لقلنا إنها موروثة لأن النخلة بني الصحراء (١) فهي أقرب إلى نفسية الشاعر من أي شجرة أخرى سواء أكان عربي الأجداد أو لإفريقي المنشأة، هي رمز البداوة التي لم تمت من نفسه على الرغم من بعد عهده بها. هذه النخلة جلبها آباؤه أو أجداد ومعها الجمل ليطبعوا على الأرض الصقلية طابع البداوة - التي أرادت أن تنقل الصحراء حيثما انتقلت.

ومهما يكن في هذه الأشعار من ضعف في العاطفة والأسلوب فإنها التفاتة


(١) يذكر هوجو فلقندو في رسالته لصديقه ويشير إلى البلح ولكنه لا يجسر أن يقول إنه مهما يؤكل.

<<  <   >  >>