بالدين، وذلك الرمز هو الخليقة، وليس من الممكن جحد الأثر الذي كان للخلافة في عقليات الناس يومئذ.
(ب) أصبح حكمه حكم الأقلية، له ما للأقليات من دأب ونشاط، بسبب المنافسة، وفيه ما في الاقليات من محاولة المحافظة على الكيان الجماعي والتمسح بأذيال الحاكمة والتقرب منها بشيء الوسائل، ثم فيه ما يتبع ذلك من مداهنة وتملق صاغر والتفاف حول الحامي كالتفاف الكلب على صاحبه، وقد يصبح هذا الحامي موضع لنزاع الجماعة نفسها إن كان فيهم ذوو أطماع، فيحاول كل فريق أن يستأثر بعطفه، فتنقسم الجماعة على نفسها وخاصة إن تقريب الحامي لجماعة دون أخرى أو لفرد دون آخر يوقع الجماعة في خصام فتصبح قوتها مشلولة بالاختلاف والتناحر ويفيد من ذلك صاحب السلطان.
(ج) صار دائم التوجس والخوف من عدوان يقع عليه بين لحظة وأخرى وأصبح يعد نفسه لمقابلة الشر بالشر، لا للإنتاج المفيد في وقت السلم، وفي هذه البيئة يكثر الشطار والنهازون للفرص، كما تكثر العيون التي تسعى لتكيد للجماعات الأخرى في السر.
(د) اصبح من سماته التدين والالتفاف حول عمود الدين لأنه المبدأ الذي يربط الجماعة ذات الجنسيات المختلفة، وهو الذي يحدد علاقتها بغيرها من أهل الأديان الأخرى، ومن أشق أحوال الشعور الديني كتبه خوفاً أو تقية ولذلك لا تكاد الأقلية تشعر بشيء من القوة حتى تصخب متظاهرة بشعائرها في شيء من التحدي تعرفه القرون الوسطي صخباً جماعياً، أما الفرد نفسه فيشيع الصدقات ويعين الفقراء ويعطف على الغرباء من أهل دينه. والعداوة الدينية مريرة تسير الحياة، ومما يذكيها رؤية الثراء في فريق دون آخر، ورؤية المسجد الذي حول كنيسة، وتربع فريق دون غيره في الوظائف العليا، وكلمة نابية ندت في حق واحد من غير دينه.. إلخ ثم تستمد كل هذه المظاهر سيفاً كتب عليه اسم الدين أثناء الثورة والهياج.