بيض وحمر كالدر والمرجان، وأن تحرق الأكباد وتمرض الأنفس وتعظم الأتراح والأحزان. فانظر كيف جعل الشاعر البكاء حقا على سواه أما هو فلا شأن له بتنفيذ هذا الذي يعده حقاً:
لحق بأن يبكي عليه بأدمع ... لها في مسيل الخد درٌ ومرجان ثم ما قيمة تشبيه الدموع في موطن الحزن أو تقسيمها إلى فئات إن كان الحزن صحيحاً؟ وقد ذكر الدموع في هذا البيت فلم عاد يذكرها بعد بيت واحد؟
وتبتاع أحزان وتهمى مدامع ... وتجمع أمواه غزار ونيران وما الفرق بين الدمع هنا والدمع هنالك وما هذه الأمواه إلا الدموع؟ وما الفرق بين قوله: وتعظم أتراح؟ وتكبر أشجان؟ وتبتاع (؟) أحزان؟ من هنا ترى الفقر شاملاً في كل شيء - في العاطفة، في الأسلوب، في الترتيب، والشاعر إنما يحشد ألفاظاً تتصل بمعنى الحزن ولا تنطوي عليه. وقد يكون هذا من ضعف شاعريته، ولكن مما زاد الضعف وضوحاً، انعدام العاطفة في موضوع يحتاج إلى قسط كبير من الصدق ولا ينفع فيه الانفعال البسيط.
ضع هذه القطعة مقابل قول محمد بن عيسى:
عز العزاء وجل البين والجزع ... وحل بالنفس منه فوقَ ما تسعُ
يا عينُ جودي بدمع خالص ودم ... فما عليك لهذا الرزء ممتنع
كوني على الحزن لي يا عينُ مسعدة ... فإن قلبي لما تأتينه تبع فهنا هذا التهويل المقارب للتهويل السابق، وفيه هذه الدموع البيض والحمر، وفيه تصوير للحالة الجسمية والنفسية التي نزلت به من جراء الحادث الجلل - فيه كل التكلف الذي ورد في القطعة الأولى ولكن فيه عنصراً واحداً ينقص شعر ابي الضوء فقد ابى أن يقول للناس إنه بكى أو أن كبده احترقت أو أن الماء