اجتمع مع النار من شدة حزنه هو - أبى أن يقول ذلك لأنه في حقيقة الأمر صادق مع نفسه لم يحزن ولم يبك ولم تحترق كبده، وإذن فلم يرثى ولم يطلب إلى غيره أن يفعل ما لم يفعله؟ كلا الشاعرين يرثى شخصاً غريباً عنه وكلاهما يلجأ إلى التهويل في تصوير الحزن ولكن حتى في هذا التهويل فرق لأن التعاطف المشترك مفقود بين أحدهما وبين المرثى.
ثم انظر المسألة حين تخف حاجة الشاعر إلى هذا التعاطف القائم في أصله على وحدة ما - والوحدة الدينية يومئذ أقواها - واستمع إلى أبي الضوء يعد الأشياء التي حزنت على ولد رجار تجده يقول:
تبكت له خيماته وقصوره ... وناحت عليهُ مرهفات ومران
وعاد صهيلُ في لهواتها ... حنيناً وعاقتهن لُجمٌ وأرسان
وما ناح وُرْقُ الأيك إلا لهُ فلوْ ... دَرَت لبكت قبل الحمائم أغصان فهذا ميت قد بكت عليه الخيمات والقصور والمرهفات والمران والخيل والورق وكذلك مرثى ابن عيسى بكت عليه الخيل والسيوف (المرهفات) والخطيئة (المرن) . فالباكون متقاربون أو متشابهون ولكن أين الفرق؟ استمع إلى ابن عيسى يقول:
بكته المذاكي المقربات وقطعت ... شكائمها إذ منه أعدمت الركضا
مشت وهي بين الخيل أنزرها دما ... وأبرزها جسما وأهزلها نحضا
وكادت سيوف الهند تندق حسرة ... وأجفانها تنشق عنها لكي تنضا
وخط على الخطيئة الرزءُ أحرفاً ... أرادت لها خفضاً فحولها خفضا تجد أن صورة أبي الضوء ألطف لأن فيها عبوراً سريعاً في الصورة - المستحيلة أصلا - أما ابن عيسى فوقف عند المحال يغرق فيه، ويمد في