قد سعى بي الوشاةُ نحو علاهُ ... فسعوا لي فلا عدمتُ الوُشاتا
حركوا لي الشباةَ منهم فظنوا ... أنهم حركوا على الشباتا
فدعا من بلرم حجي فلبي؟ ... تُ وكانت سرقوسةُ الميقانا فمن هو الذي سعى به؟ وهل اجتمعا في سرقوسة ثم توجهها إلى بلرم أو أن هناك شخصاً آخر سافر إليه ابن قلاقس ونزل عنده في سرقوسة؟ وهذه القصيدة - حسب ما في الديوان - يقولها في مدح رجل يسمى القاسم بن خليع.
والظن قوي بأنه عرج على سرقوسة سواء كان ذلك في عودته إلى وطنه أو في قدومه إلى صقلية، لأن هناك قصيدة نونية يصف فيها رحلته، وربما كان الوصف ينطبق على رحلة من بلرم إلى سرقوسة لا العكس، وليست القصيدة في ديوانه وإنما احتفظ ياقوت بقطع متفرقة منها في معجم البلدان ولعل لها مقدمة غزلية هي تلك التي أوردها الصفدي في أعيان النصر (١) ومطلعها:
أصبحت بين سوالف وعيون ... وقفاً على أمنية ومنون وإذا كانت هي حقا فلدينا من هذه القصيدة قطعة فريدة، هي قصة رحلة فيها شيء كثير من صفات الشعر الجميل، فيها الانفعال والحركة وفيها قدرة شاعر ذي دربة في تقليب الأداة الشعرية في يديه كالعجينة المرنة، ولم يستطع الموضوع نفسه. موضوع الرحلة - أن يقف في سبيلها بحيث يجعلها جامدة، أو يجعلها حقيقة جغرافية منظومة، لأنها استمدت قسطاً وافراً من حيوية ابن قلاقس الشاعر الشاب العنيف المنفعل دائماً، وقد مر في وصفه بثرمة وجفلوذ والقارونية واجتاز ببقطس ولبيري وحاذي ميلاص إلى أن بلغ مسيني، فنزل فيها ثم عاد فجدد الرحلة إلى سرقوسة فهو يقول في ثرمة وجفلوذ:
فدخلتُ ثرمة وهو تصحيفُ اسمها ... لولا حسينُ الندب ذو التحسين