ليالي سرقوسة وخمرها والحديث عن الإسلام الذي ارتد على أعقابه أمام المسيحية، وهي صور جميلة في الواقع، فابن حمديس قد استطاع أن يرتفع بالشعر الصقلي ارتفاعاً يجعل له موضعاً بين سائر الشعر العربي، وأما تلك المدائح التي كانت تقال في الملك النورماني أو التي قبلت في وصف المتنزهات والقصور، فقد قلت فيها رأيي من قبل، وإن كنت لا أنكر أبداً أنها خير ما يصور صقلية في صدق. وموطن الطرافة فيها تلك الروح التسامحية التي يعيش بها المادح والممدوح على تباين الدين، في عصر لم يكن يسمح بذلك التسامح. وفيها شعور ساذج بالجمال - ساذج جدا - وهي بهذا القدر وحده جميلة في الشعر الصقلي.
وإذا قلت الشعر الصقلي عنيت دائماً هذا القدر منه، فإن هذا القدر الذي نملكه يكاد لا يتمتع بشيء يميزه. فمظاهر القوة فيه قليلة ولكنها غير منعدمة. وقد رأينا فيه خروجاً على بعض النواحي التقليدية وعرفناه تخطي قاعدة التذلل في الحب، وشهدنا كيف يعلو الشاعر أحياناً في رقة فيقول:
ليَ وعدٌ عينيك مضَى ... دونه عمري ووافي أجلي كما في أشعار عبد العزيز البلنوبي وهو من أصدق الشعراء الصقليين أصالة في القطع التي رويت له، ولكنها قليلة بحيث لا تستطيع أن تعطي عنه صورة صادقة، وستعجبك في هذا الشعر بعض الصور كقول ابن الخياط:
ترى كبرياء الحسن في لحظاتهم ... تشاب برهانية المتعبد او كقول ابن حمديس:
وقد سكت حركات الأسى ... قيان تحرك أوتارها وستجد في الخصائص العامة لهذا الشعر تلك النعومة المتشهية التي تغلب على شعر عبد الرحمن البلنوبي، أو ما يسميه شاك الخضوع للمتعة المؤقتة المستمدة من الطبيعة الجميلة، حتى لتكاد تظن في هذه الخاصة، أنك لم تبعد كثيراً عن