للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل صنعاء التي لم تكن خيراً من بلرم في ازدهار عهدها كانت مثال الحضارة ومحط السعادة في نظرهم، وأمراء غسان والحيرة (١) يتبدون لخيالهم أعلى ما بلغه العالم من أبهة وجلال (٢) .

ولست أرى في هذا الحكم جوراً على الشعر الصقلي، بل لعلني ذهبت إلى أبعد من ذلك فلم أبد إعجابي بذلك الشعر الذي يصور القصور والمتنزهات والبرك وأشجار الليمون والنارنج ويصف الحدائق والأزهار - لم ابد إعجابي بهذا الشعر الذي يفرده شاك بالعناية ويعده أصدق ما يمثل الطبيعة الصقلية حين يقول " وننصت بإعجاب إلى هؤلاء الشعراء حين يصورون الدور والقصور والزخرفة الفنية والسقوف في أبهاء القصور والعرائش والنافورات المرسومة في أشكال أسود ينبعث الماء من أفواهها. وننقاد في سرور أيضاً وراءهم حين ينتقلون بنا بين الأشجار الخضر حيث يلتمع الليمون من بين الأوراق ويبسق رأس النخلة في السماء؟ ونرحب بهم حين يطلقون العنان لعواطفهم ويتغنون بالحب البدوي دون توار أو مواربة. أو حين يصفون خمر سرقوسة ولياليها الصاخبة مصحوبة بأنغام المغنية وألحان الجواري على الناي، أو حين نسمعهم يتحدثون عن الإسلام الذي اندحر في خضوع أمام المسيحية، أو حين يمدحون الملك النورماني ويصورون روعة بلاطه، ويرسمون لنا حالة حضارة هي بين المسيحية والإسلام. فإلى هذه القصائد التي كانوا يبتعدون فيها عن التقليد ويستوحون المحيط بهم نريد أن نوجه اهتمامنا وفي هذه القصائد وحدها تخيم على الشعر الصقلي شخصيته المتفردة (٣) .

في هذه النواحي التي يعددها شاك يكاد يكون الشعر الصقلي صادقاً لبيئته حقاً ولكنه صدق وحسب. أما الأصالة الفنية في هذا الشعر فشيء نادراً جداً وكثير من هذه الصور التي يذكرها شاك مستمدة من ابن حمديس نفسه مثل


(١) في نقش شعري بقصر رجار أنه فاق الخورنق والسدير.
(٢) Schak؛ VOL، ٢، p.١٠ - ١١
(٣) op. Cit. P. ١٠ - ١١

<<  <   >  >>