للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الشعر الأندلسي - فيما يظهر - كان قليلاً، ولكنه على أية حال أظهر تميزاً من الشعر الصقلي. ويجد شاك سر هذا التقصير في أن العرب يتذبذبون في دائرة ضيقة من الآراء والأفكار، وهذا ما يوصف عادة بروح المحافظة الغالبة عليهم. وهم قد جهلوا أساطير الأمم التي سبقتهم فلم يعرفوا شيئاً عن نبع أرثوسة وعن وادي يانة حيث كانت برسيفونة وصواحبها يجمعن الأزهار، ولم يكونوا يعرفون شيئاً عن عالم الأوديسية إلا ما تسرب منها إلى أسطورة السندباد، ولم يرد لأتنا الشامخ ذكر في شعرهم أبداً مع أن جغرافييهم وصفوه وصفاً دقيقاً. ولا جذب انتباههم تلك العظمة المتداعية التي كانت تمثلها المدن وهياكلها، لا شيء من ذلك أبداً (١) .

حقاً إن المسلمين لم يعرفوا شيئاً من هذا الذي يذكره شاك لأن قداسة الأمور الأرضية كان قد انتزعت من أنفسهم وعادوا يرون في أرثوسة وإتنا مظهراً عادياً، ولكنهم مسئولون عن إغفالهم الجمال - لا القداسة - في هذه المناظر وقد حاولت من قبل أن أشير إلى ضعف صلتهم بالبيئة الريفية في وطنهم لأسباب ذكرتها هنالك.

ويرى هذا المؤرخ الناقد أن الشعر العربي في الغرب كان نبتة من ارض بعيدة، يتوقع لها أن تستمد أنواعاً جديدة من التغذية، حيث زرعت في التربة الجديدة، ولكنها تغيرت قليلا في شكلها في هذا المناخ الغريب، ولم تتغير شيئاً في أصلها.. فكانت الصحراء هي التي تمد الشعراء بالمادة والصور في قصائدهم، وإذا كان شعراء أوروبة الحديثة يفيئون إلى ما تلقوه في دراستهم من أدب يوناني أو روماني، فإن الشعراء العرب كانوا يرون مصادر وحيهم في الحياة البدوية وما فيها من أبطال وشعراء، ومنها استعاروا اصطلاحاتهم وتعابيرهم. فإذا تصوروا " أركاديا " تمثلوا وادياً مقفراً بين جبلين من الرمل تقوم فيه أطلال مية؟ الخ ولعب الجمل والغزال في قصائدهم دوراً هاماً مع أنهما غير موجودين بصقلية.


(١) op. Cit. P. ٩

<<  <   >  >>