يتمثل لك في قول أبي العرب الصقلي لما دعى إلى الأندلس:
لا تعجبنّ لرأسي كيفَ شابَ أسىَ ... واعجبْ لأسود عيني كيف لم يشب
البحر للروم لا تجري السفين به ... إلا على غرر والبر للعرب وفيه تصوير للسيادة البحرية أيام العصر النورماني فقد أسر أسطولُ صاحب صقلية أحد بني رواحة مع عصبة فوقف أمام الملك وأنشده قصيدة يمدحه بها ويقول في وصف الواقعة:
وأجريتها في لجة الماء إذ جرى ... فاسكرته جرياً وأجريتها بحرا
وكنا لما تجري المقادير عصبة ... ركبنا به والموج يخطفنا ذعرا
وجاءت من الأسطول طيرٌ مسفةٌ ... أحاطتْ بنا من كل ناحية قسرا
فقمنا إليه ثائرين لدفعه ... نغالبهُ قهراً فعاجلنا قهرا ومع بساطة هذه الأبيات فإنها صادقة في دلالتها على سيطرة الأسطول النورماني حينئذ وكثرته وقوته.
وفي هذا الشعر عامة شعور بالخوف من البحر، ويؤيد هذا الخوف واقع السفر البحري يومئذ. وفي رحلة ابن جبير وفي وصف ابن قلاقس للبحر وأهواله في كتابه " الزهر الباسم " ما يزيل دهشة من يستنكر مثل هذا الخوف. فكان البحر مما يتجنب، ولذلك كانت صورة البطولة في السفن البحرية أقوى من صورة الجهاد البري عند ابن حمديس، وعند هذا الشاعر يكبر الخوف من البحر، لأن هذا البحر هو الذي أخذ جاريته جوهرة، ولأنه نفسه كان ذات يوم في الغرقى حين حاول مرة أن يذهب لزيارة أهله، ثم هو يمقت البحر الذي يفصل بينه وبين وطنه، ويمكن لأعدائه سيادة وتبسطاً، ولذلك امتلأ شعوراً به وكثر انتزاعه للصور منه. ولعل افتخاره بقطع الصحاري وركوب السفائن البرية، وصبره على