أهوالها، تعويض لما كان يحسه من نفور إذا وقف إزاء البحر، فقد عاد ابن حمديس إلى إفريقية ووجد في مصاعب البداوة ما تقبله نفسه، أما أخطار البحر فلم يكن له صبر عليها. وقد دخلت صورة البحر في تشبيهات الشعر الصقلي وأبرز ما هو مستمد منه، صورة الشبكة في وصف الخمر وتكاد تكون عامة في الشعر الصقلي فيكررها ابن حمديس - كما مر من قبل - ويضيف إليها صورة الغائض الذي يذهب إلى القعر ليستخرج الدر - أي صورة الحباب حين يطفو عندما يصب الماء على الخمر. وهي في شعر أبي العرب الصقلي حيث يقول:
كادت تطير نفاراً حين نافسها ... لولا الشباكُ التي صيغتْ من الحبب وهي في شعر الأمير ابن القاسم الكلبي في قوله (١) :
كأن حبابها شيكٌ مقيم ... لصيد الألسن المتطايرة (ج) الرسائل الشعرية: فإن صقلية أولا بتوسطها في موقعها وثانياً بهجرة بعض أهلها وبقاء البعض الآخر فيها، قد أصبحت ترسل وتستقبل الرسائل الكثيرة. وكانت أكثر الرسائل الإخوانية بالشعر، ولعل هذه الظاهرة هي أوسع الظواهر وجوداً في الشعر الصقلي، ومنها كثير في شعر ابن أبي البشر، وكان شعراء العصر النورماني يراسلون بعضهم بعضاً وهم في صقلية، كما يراسلون جماعة من أصدقائهم في الخارج، كأبي الضوء الذي كان يراسل الشاقي الصقلي، وكان أبو الصلت يراسل كثيراً من شعراء عصره، وحوله قام نشاط أدبي واسع في هذه الناحية. وكذلك كانت المراسلات دائرة بين ابن رشيق وأصدقائه من الشعراء في صقلية. ولو كان إحصاء هذه الكثرة مما يفيد لوجدنا أن قسطاً وافراً من الشعر الصقلي الموجود لدينا ليس إلا رسائل أو أجوبة على رسائل.
ولكن هذه الرسائل كانت أحد عوامل الجمود في هذا الشعر بدلا من أن تكون سبب حياة. ذلك لأن هناك قيوداً يجدها الشاعر حين يرد على رسالة وصلته