للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وطارت أحلام ابن قرهب في لحظة.

واستيقظ أهل صقلية من سحر ابن قرهب، ورأوا أن الوقت حان لإعلان العصيان، وكان البادئ بذلك أهل جرجنت فكتبوا إلى المهدي، وتبعهم في ذلك أهل البلاد الأخرى، وثارت صقلية كلها على ابن قرهب ودعوته العباسية، ولم تنفعه خلع المقتدر وألويته. وحاول مداراة أهل البلد وملاينتهم فلم تثمر محاولته، ثم فكر في النجاة إلى الأندلس واكترى مراكب وشحنها متاعاً، فحال أهل صقلية بينه وبين ما أراد، وانتهبوا ما كان له وأسروه هو وابنه وقاضيه ابن الخامي (١) . وبعثوا بهم إلى المهدي فقتلهم وصلبهم وانتهت بذلك هذه الحركة الخطيرة.

ولم يكن أهل صقلية جادين في تحولهم نحو العبيديين، كانوا يريدون الخلاص من ابن قرهب فتم لهم ذلك، ثم أرادوا ان تكون الحكومة في أيديهم وأن لا يكون المهدي إلا اسم، فأرسلوا يطلبون منه واليا وقاضياً، ويظهرون عدم احتياجهم إلى رجال أو مدد (٢) ، ويشترطون شروطاً خاصة، وكانوا ينوون من ذلك أن تظل المبادرة في أيديهم، وأن يتحكموا في الوالي كيفما طاب لهم، ولكن ابن قرهب لم يمت قبل أن يفضي للمهدي بسر حالهم، وعرف المهدي كبف يؤدبهم، فجهز إليهم جيشاً من الكتاميين أنصاره الخلص، وأخرجهم في أسطول فأظهرت بلرم الامتناع، فحاصرها القائد بجيشه وقتل جملة من أهلها، وأحال كتامة على من ألفى في أرباض المدينة من النساء والذرية فعبثوا بهم وافترع الجواري الأبكار (٣) . وعندئذ طلب أهل صقلية الأمان ودفعوا القائد المهدي المحرضين على الفتنة، فآمنهم وهدم سور مدينتهم وأخذ سلاحهم وخيلهم وضرب عليهم مغرماً، وبعث بمن أخذ منهم إلى عبيد الله في مراكب فانكفأت بهم في البحر (٤) . وأتاه كتاب من المهدي يأمره بالعفو


(١) المصدر السابق: ٣٦٥.
(٢) المصدر نفسه: ٣٦٥.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) المصدر نفسه: ٣٦٦.

<<  <   >  >>