للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن العامة (١) . وولى صقلية سالم بن أبي راشد وجعل له حراساً من كتامة. وكان سالم مثال الوالي الظالم العسوف، فعهد بحكم المدن إلى ولاة غلاظ قساة، وحاق بالناس ظلم أخرجهم عن طورهم وأدى بهم إلى الاستماتة في مقاومة ذلك العسف، فثارت جرجنت (٢) واقتدت بها بلرم فأرسل سالم إلى الخليفة القائم يعرفه أن أهل صقلية خرجوا عن طاعته وخالفوا عليه، فأمده بجيش على رأسه خليل بن إسحاق. واستقبل الناس خليلاً بالشكوى، وخرج إليه النساء والصبيان يبكون ويشكون، حتى رق الناس لهم وبكوا لبكائهم (٣) . وتذمروا من سالم وسياسته، وظنوا أن الخلاص سيكون على يدي خليل ولكن سرعان ما كذبتهم الظنون فغن سالماً خلا بهم وأفهمهم أن خليلاً جاء لينتقم منهم بمن قتلوا من عسكره، وتحقق لديهم صدقه حينما أخذ خليل يهدم أسوار بلرم، ويبني عند المرسي مدينة ويحصنها، وهي التي سماها " الخالصة " وأرهق الناس في أعمال البناء، فخاف أهل جرجنت، وحصنوا مدينتهم واستعدوا للحرب، فسار إليهم خليل سنة ٣٢٦هـ؟ وحاصرهم ثمانية أشهر ولم يخل يوم واحد فيه من القتال، ولما حل الشتاء رحل عنهم إلى الخالصة.

وسعى أهل جرجنت فألبوا عليه المدن الأخرى، وفي السنة التالية ثارت جميع القلاع وأهل مازر. وكاتب الجرجنتيون ملك القسطنطينية يستنجدونه فأمدهم بالمراكب فيها الرجال والطعام. وفزع خليل ورأى أن صقلية تؤول إلى الانفلات من قبضة العبيديين فاستنجد بالقائم فأمده بجيش كبير، فأخذ يحاصر القلاع، حتى انقضت سنة ٣٢٧ وضيق على جرجنت، وظل يحاصرها حتى سنة ٣٢٩، فسار كثير من أهلها إلى بلاد الروم، وتنصر أكثرهم، وطلب الباقون الأمان فأمنهم على أن ينزلوا من القلعة، فلما نزلوا غدر بهم وحملهم إلى المدينة، ولما سقطت زعيمة الثورة أذعنت سائر القلاع، وهدأت


(١) ابن الأثير ٨ /٢٤ والمكتبة: ٢٥٣.
(٢) كان والي جرجنت من قبل يسمى ابن أبي حمران، المكتبة: ٤٣٧ عن النويري.
(٣) ابن الأثير ٨ /١٠٨.

<<  <   >  >>