للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له عليه (١) وكان المهاجرون إلى صقلية في النصف الأول من القرن العاشر أهل حرف أو جنوداً أو لاجئين (٢) . ولدينا ما يفيد أن أحد الأفريقيين ورث من أخ له مات بصقلية أربعمائة دينار أعانه عليها إبراهيم بن أحمد الأمير (٣) . وتحت عنوان الفقر تستطيع أن تسلك طبقة المعلمين، ولم يكن يزيد دخل بعضهم عن عشرة دنانير في العام، ومثلهم بعض الشعراء، وتسمع عن شاعر يسمى الرزيق كان محدوداً محارفاً وقد بره مرة بعض الولاة بدنانير فلما عاد إلى بيته وجد اللص قد استصفى ما فيه (٤) ، وكذلك كان كثير من العلماء فقراء.

والحقيقة التي لحظها ابن حوقل أن هناك فقراً شاملا إلا لأقلية معينة، واستتبع هذا الفقر وقلة المال في ايدي الناس رخصاً في الحاجات وقلة في النفقات. ومما زاد الرخص كثرة العرض في السلع وخاصة الزراعية منها لخصب الجزيرة وهو الموضوع الذي تقف منه المصادر العربية وقفة المعجب. ومنذ القرن التاسع نسمع الاصطخري يقول بأن في صقلية من الخصب والزرع والمواشي والرقيق ما يفضل سائر مدن الإسلام المتاخمة للبحر (٥) . ولكن لابد من ان نقر بان الجدب كثيراً ما كان يعتري الجزيرة وفي سنة ٣٤٤٤ ٩٣٦م جاءت ريح عاصف قبلية حرقت الدوالي والثمار ولم يكن في تلك السنة قطاف (٦) . وبعد الحروب المهلكة التي قام بها خليل انتشرت المجاعة في المدينة والبوادي " حتى أكلوا الوالدون أولادهم (٧) ". واشتدت المجاعة كثيراً حتى خربت قلاع صقلية وبواديها. وكثيراً ما كانت الفتن تجعل الناس يغفلون عن العناية بمحاصيلهم فيسوء حالهم. ويحدثنا ابن حوقل أنه لما دخل صقلية كانت قد استحالت جميع أمورها من الخصب إلى الجدب (٨) .


(١) ابن حوقل ١/ ١٣٠.
(٢) Amari: S. D. M. vol. ٢، p. ٢٥٢.
(٣) رياض النفوس في المكتبة: ١٩٠.
(٤) الخريدة ١١ الورقة ٤٤ ومجموعة الشعر رقم ٤٣:
(٥) الاصطخري " مسالك الممالك ":٧٠ ط. بريل ١٨٧٠ والمكتبة:٣.
(٦) تاريخ جزيرة صقلية، نسخة كمبردج العربية، المكتبة ص ١٧١.
(٧) المصدر نفسه: ١٧٣.
(٨) ابن حوقل ١/ ١٣٠.

<<  <   >  >>