للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طويل. ولما أخذ جعفر بن الأكحل بالتضريب بين العناصر الصقلية والأفريقية حمى أملاك الأفريقيين وأخذ الخراج على أملاك الصقليين فأعلنوا الثورة.

غير أن أهم أثر أحدثته النظم الإسلامية في لأرض هو طرق توزيعها، فقد كان الجرح العميق الذي تشكو منه صقلية هو الإقطاعات الكبيرة، وفي فترة قصيرة قضى نظام الإرث الإسلامي على هذه الاقطاعات. وفي القرن الثاني عشر نجد في ولاية مازر أسماء عربية كثيرة تملك مساحات صغيرة من الأرض ولكن النظم الإسلامية لم تكد تنقذ صقلية من الإقطاعية الكبيرة حتى عادت هذه أليها مع الفتح النورماني (١) .

وليس معنى ذلك أن الإقطاعات الكبيرة فقدت في العهد الإسلامي بل ظل الأمراء والخاصة يحتفظون لهم بإقطاعيات واسعة واحتكارات خاصة تدر عليهم أموالا طائلة. وقدم إلى أحد العباد في القيروان كعك فرده، وقال: لست آكل سكر صقلية وعلل امتناعه عن أكله بأنه يعمل من ضياع اقتطعها السلطان (٢) . وكان الحديد مستغلا لبعض بني الأغلب ثم انتقل إلى أيدي بني أبي الحسين، ومنه كانت تعمل مراكب السلطان وقرسطياته (٣) وكان جزء من البردي محتكراً لعمل طوامير للسلطان خاصة.

وفي هذه البيئة قام التفاوت البين في الثروة بين الطبقات. ومع أننا نعلم مثلا أن أبا القاسم الكلبي لم يخلف دينارا ولا درهماً ولا عقاراً لأنه وقف أملاكه كلها على الفقراء وأبواب البر (٤) إلا أننا نعرف كذلك أن ثقة الدولة ارتحل إلى مصر ومعه ٦٧٠ ألف دينار و ١٣ حجرة سوى البغال وغيرها (٥) - كل هذا الثراء بينما الفرد العادي من الطبقة التي عاشرها ابن حوقل لم يملك بدرة عين ولا رآها إلا عند سلطان، إن كان ممن يدخل إليه، ومحله محل من يؤذن


(١) Amari: S. D. M. vol.٢، pp.٤٠ - ٤١.
(٢) المكتبة الصقلية، المحلق الأول: ٣.
(٣) ابن حوقل ١/ ١٢٣.
(٤) ابن الأثير ٩/ ٥ المكتبة ص ٢٧٠.
(٥) النويري المكتبة ص ٤٤٤.

<<  <   >  >>