بهيمية غامرة لألبابهم، وغفلة عن الحقوق والواجب ظاهرة في معاملاتهم، وقول من الحق بعيد، وشنآن للغريب والطارئ عليهم عظيم شديد، لا يألفون ولا يؤلفون، وهم في كرههم للغرباء يشبهون أهل بلرم حاضرتهم فقد طبع أهلها على بغض التجار والغرباء المجهزين، مع جفاء معدوم النظير في أجفى الجبليين، مع أن مصالحهم تعتمد على الجلابين، وهم محتاجون إلى المسافرين لقيام حياتهم على التجارة.
وليس من الضروري ان نصدق ابن حوقل في كل ما يقول لأنه يصور أخلاق قوم كرههم، فليس من السهل أن نأخذ ما يقوله في هذه الناحية بالتسليم وبخاصة لأنه يتحدث عن أمور اعتمد في تصويرها على الشعور فأشبه بذلك الشاعر الذي يهجو. ثم إن الأخلاق نسبية تتغير من إقليم إلى إقليم ولا شك أنه كانت بين العراق وصقلية فوارق في الحياة الاجتماعية جعلت ابن حوقل يكره من صقلية ما لم يكن عراقي الصبغة، وكذلك حال ابن حوقل في الأندلس فإنه لم يستسغ فيها أشياء كثيرة، وهذه الفوارق نمت مع الزمن وصورها ابن سعيد في المفاضلة بين المشرق والمغرب (١) وهي أمور يلمحها الغريب. وقد انتقد ابن جبير الرحالة أشياء في الشاميين وجدها تخالف ما عليه حال الناس في بلده وأحس بالكره لها. والأساس الذي يبني عليه ابن حوقل قلة المروءة والبلادة في الصقليين فاسد، ونحن اليوم نمر بهذه الثورة على البصل مبتسمين. أضف إلى ذلك أن ابن حوقل كره صقلية لأنه غريب لم يجد فيها التقدير الذي يتطلع إليه غريب مثله، وهو عندئذ ذو حساسية خاصة بما يلقى من معاملة، وإذا صح أن الصقليين كانوا يكرهون الغرباء فإن من السهل أن نعلل ثورة ابن حوقل على صقلية. ثم هو قد كره صقلية لأنها كانت تثور على السلطان وتنقض الطاعة، ومن مهمته في رحلته أن يؤكد الناس ولاءهم للسلطان وخضوعهم له، وهو كذلك قد وجد فيها قوماً يشتمون أهل العراق ويستهجنون
(١) انظر هذه المفاضلة والرد عليها في مسالك الأبصار للمري المجلد الأول، الجزء الثاني من نسخة دار الكتب المصرية رقم ٥٥٩ معارف عامة.