للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مبادئهم في القدر والإرجاء. وتدل رحلته على أنه لم يختلط إلا بطبقات معينة، وأنه كان يألف الغرباء ويطمئن إليهم أكثر من أهل الوطن. وفي هذه الفترة نسمعه ينحي بالذم على أهل الوادي التابعة لبلرم ولكن أتراه زارها؟ وإن كان زارها فأين الوصف الدقيق الذي سجلته عينه النفاذة وجرأته النفسية؟

ومهما ننكر مما قاله ابن حوقل في ذم أخلاق الصقليين لا نستطيع ان ننكر أنه زار صقلية حين لم تكن تنعم الا ببوادر الهدوء والطمأنينة في ظل الكلبيين، وكانت قد مرت بها سنوات عصيبة، حتى ان ابن حوقل وجدها قد حالت من الخصب إلى الجدب. كما لا نستطيع أن ننكر أن أهل البلاد الأصليين، إن كان يعنيهم ابن حوقل بالتسمية الصقلية، كان اغلبهم من الموالي والعبيد، ولم يدفع هؤلاء إلى الإسلام إلا الرغبة في التخلص من بعض القيود الاجتماعية والمادية. ويحدثنا ابن حوقل أنه كتب كتاباً مستقلاً في صقلية جعله عشرة أبواب، بدأ فيه بذكر ما يتفاخر به أهل الأمصار والقبائل والبلدان وما يلحقهم من الفضائل وكيفية لحاقها بالكور والمدن والرذائل المقصرة ببعضها عن الفخر والطيب والحسن، ووسمه بكتاب صقلية ولم يترك لهم من فضيلة ورذيلة إلا ذكرها وسمى فيه معلميهم وذكر فتنهم وخلعهم للسلطان وطاعته وبعض فرقهم الدينية (١) ولا شك في أن هذا الكتاب الذي ذكرت فيه الفضيلة إلى جانب الرذيلة اثمن من تلك الصفحات التي جعلها فصلا من كتاب " صورة الأرض ". وخير ما يظهر لنا انحياز ابن حوقل إلى جانب المساوئ ما ذكره جغرافي آخر وصف أهل صقلية بقوله: " وأهلها مرموقون من بين من جاورهم بنظافة الأعراض والثياب والأحوال، متميزون بالجميل في الناس وحسن الصور والقصد في المعاش إلى مرؤات ظاهرة وعشرةة حسنة " (٢) .

ومن مستغرب ما ذكره ابن حوقل عن أهل صقلية كرههم للغريب وهو شيء شاذ في بيئة تجارية تعتمد على الغرباء والجلابين، ولعل هذا الكره نشأ


(١) ابن حوقل ا/ ١٢٩.
(٢) المكتبة الصقلية: ١٣.

<<  <   >  >>