للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دنانير في السنة (١) ويريد ابن حوقل أن يثبت منذ ذلك أن المعلم قد قنع باليسير هرباً من الجهاد، وأن الهرب من الجهاد نقص في الرجولة والمروءة، ولكن ابن حوقل نفسه يتحدث في مكان آخر عن فقر أهل صقلية؟ على كثرة خيراتها؟ وأنه ليس فيهم رجل تملك بدرة عين ولا رآها قط إلا عند سلطان إن كان ممن يدخل إليه ومحله من يؤذن له عليه (٢) . وهذا الفقر العام يفسر قلة ما كان يحصله المعلم، فإذا أضفت إلى الفقر كثرة المتنافسين في صنعة واحدة عرفت سر الضالة في المحصول. ولقد كان عبد الحق الفقيه إماماً من أئمة صقلية لا مدرساً في كتاب ومع ذلك فلم يجد بيده من المال ما يشتري به كتاباً، واضطر ان يبيع بعض ما يملك في سبيل شرائه. وربما كان النقد في أيدي الناس قليلا لتعاملهم بالمقايضة والبدل، وهذا يجعلنا نظن أن المعلمين لم يكونوا يأخذون أجرهم نقداً دائماً، وإنما كان يصلهم من طلابهم محاصيل متنوعة على طريق الجر أو الهدية.

ومع كل ذلك فقد كان يزاول مهنة التدريس كثير من أعيان البلاد، ويتخرج في المدارس كثير من أولاد السراة (٣) . وقد أطلعنا ابن حوقل على صورة راقية من صور الكتاب حين حدثنا عن واحد منها لم يكن ينفرد بالتعليم فيه معلم واحد بل يدرس فيه خمسة معلمين لهم من بينهم رئيس هو مدير الكتاب (٤) . ولم تعجب هذه الصورة ابن حوقل ووصفها بأنها من ارث ما رآه في صقلية وأغثة، وتهكم بأشخاص المعلمين فيه، وأزرى على خلقهم، وضحك من بكائهم على أحدهم حينما مات وخرج زملاؤه يشيعونه.

وفي هذه المكاتب وفي حلقات الشيوخ بالمساجد كان الصقلي يتلقى علومه الأولى، فإذا نزعت به في مستقبل حياته نزعة علمية، غادر صقلية


(١) المصدر السابق: ١٢٧.
(٢) المصدر السابق: ١٢٧.
(٣) المصدر نفسه وقد تحمل العبارة هنالك على محمل آخر.
(٤) المصدر نفسه: ص١٣٠.

<<  <   >  >>