للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيما ملأوا به كتبهم، فإذا قرأه من لا يعرفه ولا يستعمله لم يستنفع به كبير منفعة، وكان معرفة ما يستعمله ويغلط فيه أولى به، أعود بالفائدة عليه، وكذلك غلط أهل الأندلس ربما وافق غلط أهل بلدنا وربما خالفه حكى الزبيدي انهم يقولون في التين تين وفي النوتى نوتى وفي القبيط قبيد ومثل ذلك كثير مما لا غلط عندنا فيه ولا حاجة بنا إلى التنبيه عليه (١) ".

ومن ميزات هذه اللهجة انهم كانوا يقولون " تار " واخذ بتارى، ودخرا لك، ويقولون سكينة وعروسة، ويستعمل العامة منهم لفظة حلوة والخاصة لفظة حلاوة بدلا من حلوى ويقولون عنكوبة وشفة (٢) بضم أولها وتشديد ثانيهما إلى غير ذلك من ألفاظ تثبت لصقلية تميزاً بلهجة معينة.

وظل هذا اللحن ينمو ويبسط ظله على اللغة حتى إذا بلغنا العصر النورماني وجدناه يظهر في الشعر، فقد حدثنا العماد انه وجدد في شعر الغاون الصقلي أحد شعراء ذلك العصر لحناً كثيراً، وربما لو روى لنا شغلا كثير من هذا العصر على حقيقته لكنا وجدنا للغاون هذا متشابه بين الشعراء الآخرين (٣) .

واكبر الظن أن مكاتب المعلمين وحلق المدرسين أحست إحساسا خفياً بإخفاقها أمام تيار الحياة، فأخذت تلتوي على نفسها وتجر غذائها نسيت واجبها الأول، فسارت بالنحو إلى مرحلة الألغاز والأحاجي كالذي نجده في مثل قول ابن الدباغ الصقلي (٤) :

إن هند المليحة الحسناء ... وأي من أضمرت لخل الوفاء وليس من الغريب الشاذ ان لا نجد لهؤلاء النحاة كتابا أو تعليقة إذ كان أكثرهم من أرباب المكاتب. وهب أن أولئك النحويين ألفوا كتباً وقاموا


(١) ابن مكي: الورقة ٢ - ٤.
(٢) كذلك كان يلفظها أهل الأندلس كما هو واضح أزجالهم.
(٣) الحريدة الجزء ١١ الورقة ١١.
(٤) السيوطي: بغية الوعاة: ٤٢٢ وإنباه الرواة ٢/ ٣٦٠.

<<  <   >  >>