وفي مجال ضرورة النظرية في التربية يقول أعلم أن العمل تبع للعلم، كما أن الأعضاء تبع للبصر. فالعلم مع العمل اليسير أنفع من الجهل مع العمل الكثير. ولذلك قال الله تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر: ٩] وهو هنا يركز على أهمية الوضوح النظري ووضوح الرؤية كأساس لتجنب الانحرافات في الفكر والعمل. أما بالنسبة للأمر الثاني الذي يتعلق بمشروعية إعادة النظر والتفكير فإن أبي حنيفة يواجه فيه أولئك الذين يدعون بشكل عام إلى التزام أقوال السلف الصالح، والتنكر لكل ما لم يحدث في أيامهم. وهو يرى أن التغير في الظروف الاجتماعية يبرر مشروعية الجديد في المتغيرات الشاملة منذ أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ومن هذه المتغيرات تكاثر الفرق والخصوم في الدين فإذا كف الرجل لسانه عن الكلام فيما اختلف فيه الناس وقد سمع ذلك، لم يطلق أن يكف قلبه لأنه لا بد للقلب أن يكره أحد الأمرين أو الأمرين جميعًا. فإذا تجاهل العلم ما يقع أمامه من خلافات في الرأي فإما أن يهتم بالجهالة لعدم تمييزه الخطأ من الصواب، وإما أن ينزل به من الشبهة ما نزل بغيره، وإما أن يختلط الأمر عليه فلا يدري من يحب في الله ومن يبغض في الله لعدم إمكان معرفة المصيب من المخطئ. وهذا يعنى عند أبي حنيفة كما تشير محاضرة د. رضوان السيد أن الوضوح النظري ليس فقط مقدمة للتصرف، ولكن مقدمة لكل عمل اجتماعي. والعالم المسلم الحق هو الذى يختلط بالجمهور فلا يوجد علم للعزلة ولا يكون العالم لنفسه ولا يكون العالم المسلم عالمًا إلا إذا بدأت فاعليته الاجتماعية أي تأثيره في الناس وأوجب الله على العلماء أن يبينوا العلم للناس ولا يكتموه. ومن كتمه عن أهله ألجمه الله بلجام من النار يوم القيام. وهذا يعني كما يشير المحاضر المذكور:
أ - أن العلم عند أبي حنيفة يعني الرؤية الشاملة الواضحة.