للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ج- ويعني ثالثًا الوضوح في التوجه والصدق في تمييز الحق من الباطل.

د- وعلى العالم هنا أن يقف إلى جانب الحق وينكر الباطل.

والأمر الثالث الذي لا بد منه لاكتمال المنهج التربوي للعالم المسلم عند أبي حنيفة، يتمثل في الفهم الصحيح للإسلام ولرسالته ولأسلوب الدعوة وأصول النقاش حتى مع المخطئين. وهو هنا يقول: "إن الله عز وجل إنما بعث رسوله رحمة ليجمع به الرفقة، وليزيد الألفة ولم يبعثه ليفرق الكلمة ويحرض المسلمين بعضهم على بعض". فعلى المسلم أن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجادل بالتي هي أحسن وأن يبشر ولا ينفر، وأن يوضح للمخطئين خطأهم بالحسنى ولا يتجاوز ذلك إلى القذف والاتهام والتفكير، أو تحريض فئة مسلحة على فئة بسبب الخلاف معها في الرأي. ويجب -في نظر أبي حنيفة- أن يبقى الخلاف بين العالم وخصومه خلافًا في الرأي وليس خلافًا في الدين".

وعلى العالم -عند أبي حنيفة- دعوة غير المسلمين للدخول في الإسلام ودعوة المسلمين للالتزام بأحكامه، وهو يرى أن الإسلام هو جوهر جميع الديانات السماوية السابقة وهو الدين الجامع، فهو الدين الذي نادى به جميع الرسل. فهناك دين واحد منذ زمن آدم يقوم على التوحيد. وما دام الدين واحدا فاللقاء أمر ضروري بين جميع الناس لأن الدين واحد وإن اختلفت الشرائع. وعلى العالم المسلم أن يدعو المسلم والمسيحي في إطار الدين الواحد. وهذه هي الفكرة الاجتماعية والحقيقة التاريخية الأساسية التي يجب الالتزام بها. بالإسلام لم يأت به محمد -صلي الله عليه وسلم- بشكل مفاجئ ولكنه الدين التاريخي للبشرية كلها، والمتبع للإسلام إنما يدخل نفسه وبحرية واتساق مع المجرى العام للتاريخ من خلال التعامل مع الرسالة الإلهية الواحدة.

وبعد أن يعرض أبو حنيفة لقضية دين الإسلام وموقعه من التاريخ البشري، يتناول الجانب الداخلي للدين وهو الإيمان ويحدده بأنه التصديق والمعرفة واليقين والإقرار والإسلام وهو لا يجعل العلم جزءًا من الإيمان

<<  <   >  >>