للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

درهم. فقال له ابن عوف: أتستسلفني وعندك بيت المال؟ ألا تأخذ منه ثم ترده؟ فقال عمر: إني أتخوف أن يصيبني قدري فتقول أنت وأصحابك اتركوا هذا لأمير المؤمنين ... حتى يؤخذ من ميزاني يوم القيامة، ولكني أستلفها منك فإذا مت جئت فاستوفيتها من ميراثي" ويذكر ابن سعد في طبقاته أن عمر رؤي أسود اللون في هذه النازلة التي نزلت بالمسلمين عام الرمادة وقد كان أبيضه.. فقيل: مم هذا؟ ويأتي الجواب: إنه رضي الله عنه كان يأكل السمن واللبن فلما أمحل الناس أكل الزيت حتى تغير لونه، وقد حلف ألا يأكل لحما ولا سمنا حتى يحيا الناس. وعمر نفسه هو الذي قال لعقبة بن فرقد -وقد زاره في بيته- كما يروي البلاذري في "فتوح البلدان" فرآه يأكل طعاما خشنا لا يستطاب ... فقال له ألا تأكل في طعامك سميدا؟ فرد عليه عمر: بئس الخليفة أنا إذا أكلت طعاما جيدا وتركت الناس يأكلون طعاما خشنا.

وقد فعل الصحابة رضوان الله عليهم نفس الشيء ليضربوا المثل ويكونوا قدوة للأمة الإسلامية في كيفية سلوك القائد والبدء بأنفسهم من كل التوجيهات الدينية. فقد جيء لأبي عبيدة عامر بن الجراح -خلال قيادته للجيش الإسلامي في حرب فارس- بطعام شهي خاصا به فرده وقال: بئس الرجل أبو عبيدة إذا خص نفسه بشيء دون من يقاتلون معه ويريقون دماءهم، والله إن أبا عبيدة لا يأكل من الطعام إلا ما أكله المسلمون كلهم. وقد اعترف باحث فرنسي اعتنق الإسلام بعد دراسة واقتناع وهو -ليون رونتي- في كتابه "ثلاثون عاما في الإسلام" بانفراد الدين الإسلامي في تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية بشكل معجز. يقول هذا الكاتب: "إن هذا الدين الذي يعيبه الكثيرون هو أفضل دين عرفته، فهو دين طبيعي واقتصادي وأدبي ... ولقد وجدت فيه حل المسألتين الاجتماعية والاقتصادية اللتين تشغلان بال العالم طرا: الأولى في قول القرآن الكريم {إنما المؤمنون إخوة} فهذه أجمل مبادئ التعاون الاجتماعي. والثانية

<<  <   >  >>