للنظم الاقتصادية والتنظيمات البيروقراطية في علاقتها بالنسق الاجتماعي العام -وقد طبق هذه الأفكار عند دراسة التغيرات البنائية في المجتمع الأمريكي بشكل عام، والأسرة الأمريكية بشكل خاص- ويركز بعض الدارسين على عوامل ينظرون إليها بوصفها عوامل بنائية استراتيجية لانطلاق عمليات التحديث، مثال هذا ما يطلق عليه "كارل دويتش" K. Duetsch التعبئة الاجتماعية Mobilization بوصفها مدخلًا للتنمية السياسية وهذا هو عنوان مقالته التعبئة والتنمية السياسية٢٣. وهو يعرف التعبئة بأنها العملية التي تتحطم فيها جميع الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية القديمة، ويصبح الناس على استعداد لتقبل أنماط جديدة من التنشئة الاجتماعية ومن السلوك وأشار إلى أنه إلى جانب هذا المتغير المحوري هناك عوامل أخرى تسهم في حدوث التحديث مثل التعرض للعناصر الحديثة كالأجهزة والمباني والمنتجات الاستهلاكية والتعرض لوسائل الاتصال الجماهيري ولمختلف عمليات التحضر، وتطوير التعليم وحدوث حراك مهني وارتفاع الدخل. وإلى جانب هذه العوامل فإن التحديث يفترض حدوث تحولات في النظم الاجتماعية بحيث تصبح قادرة على التوافق واستيعاب التغيرات القادمة. والتحول أو التغير هنا يتسم بالغائبة بمعنى أنه يستهدف تحقيق هدف مرسوم مقدمًا.
ويجب التنبيه هنا إلى نقطة مهمة هي أن تغير النظم لا يعني أن التحديث يحقق إحداث تحولات جذرية في كل نظم المجتمع، فالتحديث في المجتمعات الإسلامية يتم في إطار التمسك بالنظام العقائدي والقيمي والسلوك الديني، كما أن التحديث في اليابان تم في إطار النظم والقيم التقليدية في المجال الأسري والقيمي والعقائدي وبعض النماذج السلوكية التقليدية. وهذا يثير نقطة أخرى أن الحداثة المادية لا تتعارض في كل الحالات مع التقليدية القيمية بحيث يمكن أن يتعايشا معًا. فالحرص على مواعيد الزراعة والري ومقاومة الآفات والقيام مبكرًا لأداء الأعمال في المجتمعات الريفية، والحرص على أداء الصلاة في مواعيدها في المجتمع