الاقتصاد قبل السياسة بمدة طويلة. وعلى العكس من ذلك فإن دول أوروبا الوسطى والشرقية والدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بدأت التحديث من منطلقات سياسية تتمثل في الحصول على الاستقلال أو الثوارت الوطنية، والتطلعات الوطنية للحاق بالمستويات المعيشية في الدول المتقدمة ودعم استقلالها السياسي بمضمون اقتصادي واجتماعي. وقد تم ذلك على مستوى الجماعات الصغيرة الواعية أو الصفوات أولًا ثم على مستوى الجماهير بعد ذلك. وهذا وغيره من العوامل هو الذي يفسر اختلاط الأنماط البنائية في عملية التحديث بين مختلف المجتمعات٢٤. وخلاصة الأمر بالنسبة للاتجاه البنائي في دراسة عمليات التحديث أن هذه العمليات تتطلب إحداث تغيرات في التشكيل البنائي للمجتمع، أي تغيير بعض المكونات البنائية، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث سلسلة متتابعة من المتغيرات الاجتماعية والثقافية. وهذا يعني بشكل آخر أن هناك ظروفًا بنائية Structural conditions تسهم في حدوث التنمية وظروفًا أخرى تعوق التنمية وهناك ظروفٌ بنائية تدعم التحديث وإن اتسمت بانعدام عدالة التوزيع والعكس ممكن.
وفي الاتجاه المقابل نجد أنصار فكرة التحديث الضروري الذين يرون أن نقطة الانطلاق هي من حيث معتقداته وقيمه واتجاهاته وسلوكياته، وهذه يجب أن توجه في الاتجاه الذي يخدم عمليات التنمية. والواقع أن العوامل الاجتماعية والنفسية ترتبط في عمليات التحديث بالعوامل البنائية. فهذه العوامل البنائية تؤثر في الترتيبات البنائية Inistittutional arrangment، وهذه الترتيبات البنائية النظامية ترتبط بدورها بالقيم والعقائد ومختلف الموجهات السلوكية القائمة وتتفاعل معها سلبًا وإيجابًا. وإذا كانت العوامل السيكو- اجتماعية هي إفراز للواقع البنائي والنظامي للمجتمع فإنها قادرة على تحريك هذا الواقع وتغييره. في حالة تغيرها سواء بشكل تلقائي أو مخطط بفعل عوامل داخلية أو خارجية. وهنا تظهر مشكلة التفاعل والدعم المتبادل بين العوامل الاجتماعية والنفسية والواقع البنائي، وهي ما يطلق عليها الحلقات المفرغة الخبيثة. وهذه هي المشكلة التي يشير إليها "لوير" عندما