ويُحكى عن أبي علي الفارسي أنه قيل له:"كيف يكون البدل إيضاحًا للمبدل منه، وهو من غير جملته؟ فقال: لما لم يظهر العامل في البدل، وإنما دلَّ عليه العامل في المبدل منه، واتصل البدل بالمبدل منه في اللفظ؛ جاز أن يوضحه"، والذي يدل على أن العامل في البدل غير العامل في المبدل منه قوله تعالى:{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ}(الزخرف: ٣٣) فظهور اللام في "بيوتهم" وهي بدل من "مَن" دليل على أن عامل البدل غير عامل المبدل منه، ومثل ذلك قوله تعالى:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}(الأعراف: ٧٥) فظهور اللام مع "من" وهو بدل من "الذين استضعفوا" دليل على ما تقدم أيضًا، هذا هو البدل النحوي.
أما في اصطلاح علماء الصرف فمن مباحثهم: البدل والعوض، والبدل عندهم، هو: جعل حرف مكان حرف آخر مطلقًا كجعلهم الطاء في موضع التاء في "اصطبر"، والألف موضع الواو في "قال"، والهمزة موضع الياء في "بناء". ومرادهم بجعل حرف مكان آخر إزالة الحرف المبدل منه من الكلمة، ووضع حرف آخر موضعه، وهذا معنى قول أبي حيان في النص المنقول عنه:"وبدل الحرف من غيره لا يجتمعان أصلًا، ولا يكون إلا في موضع المبدل منه"، وأوضح أبو حيان أن البدل الصرفي في اصطلاحهم لا بد فيه من هذين الأمرين؛ لأنه بهما يُغاير العوض؛ فالعوض -كما قال أبو حيان- لا يكون في موضعه، يعني: لا يكون في موضع المعوض منه، وربما اجتمعا ضرورة، يُشير بهذه العبارة إلى مذهب بعض علماء الصرف كابن يعيش وغيره، الذين يذهبون إلى أن يكون العوض مقصورًا على كون الحرف الآتي عوضًا في غير موضع المحذوف المعوض منه؛ فهمزة الوصل في ابن واسم عوضٌ من الواو التي هي لام ابن، لأن أصله