تلك لمحمة سريعة في أرقى المؤسسات العلمية التي كانت في البلاد الإسلامية، تؤكد أن المسلمين قد أمدوا الحضارة الإنسانية في الجانب العلمي بما لم يسبق لأمة من الأمم أن فعلت مثله، وساهموا في تقدم العلوم وازدهار الحضارة مساهمة فعالة في جميع ميادنيها، وإن مئات آلاف المخطوطات تشهد بذلك، وقد كان لهم الفضل الكبير في تعليم أوربا عن طريق الأندلس، وفي رفع المستوى الثقافي في كثير من البلاد المجاورة للدولة الإسلامية آنذاك، كما كان لهم الفضل الكبير في حفظ تراث الأمم السابقة والزيادة عليه. ولكن كثيرا من الأمم لم ترد الجميل إلى المسلمين، بل قابل بعضهم الحسنة بالسيئة، فما أن دب الضعف في بعض أطراف الدولة الإسلامية حتى انقض أعداؤها عليها فعثوا في البلاد فسادا وههبا وتخريبا، فحرقوا المكتبات والكتب، وأغرقوها وسرقوا بعضها١ ولم ينقذ منها في تلك المحن والخطوب إلا القليل، وإذا قيس هذا القليل بما عند الأمم الأخرى بدا أضعاف أضعاف ما في خزائنها. ومع كل ذلك فقد بقيت لنا ثروة علمية ضخمة من المخطوطات الإسلامية، تقص على مر الزمان ما كان عليه المسلمون من التقدم العلمي والنضج الفكري. وإن جل المكتبات العالمية لتزخر بالمؤلفات الإسلامية الكثيرة، وتعتر بها وتسعى إلى نشرها.
وقد آن لنا أن نتعرف إلى أشهر المكتبات في العصر الحاضر.
١ انظر اكتساح المغول مكتبات ما بين النهرين والعراق وسوريا وتركستان والهند وبغداد وسمرقند وغيرها. وحريق خزائن الكتب بالقاهرة وفواجع مكتبات الأندلس في كتاب خزائن الكتب العربية في الخافقين ص ١٠١٤ - ١٠٣٠ ج٣.