لم يعرف التاريخ شخصية عظيمة مثل شخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولم تحظ سيرة عظيم من العظماء بما حظيت به سيرته عليه الصلاة والسلام من الاهتمام والعناية، والتأليف في حياته العامة والخاصة في خَلْقِهِ وخُلُقِهِ وشمائله، في إقامته وظعنه، وسلمه وحربه، وجده ومزاحه، وعسره ويسره، وصحته ومرضه، لقد سطرت فيه مئات المؤلفات بين كبير وصغير، ومنظوم ومنثور، ولا غرو في هذا كله؛ فهو سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وكيف لا يحظى بما حظي وهو الذي غير مجرى التاريخ، وبدد الظلم والظلمات؛ فنعمت الإنسانية بنور الحق على يديه، وهنئت بدفء الاستقرار والسعادة، بعد طول اضطراب وبؤس وشقاء، منذ حطم الطواغيت، وقوض عروش الظالمين، وأنصف المظلومين، وصدع بقوله عز وجل:{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} .
وقد تناقل الناس أخباره صلى الله عليه وسلم، مع أولى بوارق الوحي من علياء السماء. ورواها الخلف عن السلف، واهتموا بها اهتمامًا عظيمًا؛ فكانت ولا تزال منار المؤمنين، وسبيل العاملين وقدوة الداعين.
ويذكر المؤرخون أن أقدم من دون السيرة النبوية عروة بن الزبير بن العوام "٩٤هـ"، وأبان بن عثمان بن عفان ابن الخليفة الثالث