يعد حسن اختيار الموضوع من العوامل القوية في نجاح البحث؛ فلا بد للطالب من أن يختار البحث الذي يلاقي صدى قويًّا في نفسه، وتجاوبًا تامًّا مع ميله وفكره؛ فلا يختار موضوعًا لا يميل إليه، أو آخر يخالف عقيدته، حتى لا يتعثر في خطواته، أو يخفق في عمله، فكما أن المرء يختار صديقه اختيارًا من بين زملائه؛ لأنه ينسجم معه، ويقدر أحواله، ويشعر بشعوره، ولا يستطيع أن يصاحب إنسانًا يغايره في تفكيره وميوله؛ كذلك تعتبر كل هذه الأمور في اختيار الموضوع؛ فإن الباحث يعيش مع موضوعه ليله ونهاره يستحوذ عليه، ويستفرغ منه كل طاقته سواء أكان موضوعه بحثًا كبيرًا أو صغيرًا، خاصًّا أو عامًّا، مما سيحاضر فيه أو مما سيطبع وينشر، وتتجلى هذه الأهمية بوضوح في الدرسات العليا في إعداد رسالة "الماجستير" أو "الدكتوراه". التي تناقش أصولها وفروعها على ملأ من المتخصصين وأهل العلم وطلابه، بين يدي أكابر العلماء. من هنا كان الموضوع صورة عن صاحبه؛ لأنه يتفاعل معه تفاعلًا تامًّا، وهو ثمرة فكره وجهوده. لكل هذا يجب أن يحسن الطالب اختيار الموضوع؛ فيعرف أبعاده وغايته، وهل في مقدوره أن يوفيه حقه من البحث الدقيق والعرض المناسب؟ فيقدر خطواته ونتائجه وما يترتب عليه. كل هذه الأمور يجب أن يراعيها الطالب قبل اختيار الموضوع. ومن الضروري جدًّا أن يقدر أهمية الموضوع وجدته وطرافته؛ فلا يختار موضوعًا قد سبقه غيره إليه، فأشبعه تحليلًا وبيانًا؛ اللهم إلا إذا كان غيره قد تناول جانبًا من جوانبه؛ فلا بأس في أن يختار جانبا آخر، ولا شك أن لكل موضوع عدة جوانب؛ فالأديب حين يدرس صدر الإسلام يدرس الشعر مثلًا ويتناول غيره من الأدباء الخطابة،