ولربما فاتني أمر يرى غيري وجوب ذكره، فلا بأس بأن يذكرني به لأستدركه في طبعة قادمة إن شاء الله، وله مني الشكر والتقدير؛ فهذا تراث أمتنا يجب أن نتعاون في الحفاظ عليه، والكشف عنه. وإذا كتب لي بيان جانب من العلوم الإنسانية من هذا التراث الخالد؛ فإن جانب العلوم العملية منه بحر واسع لا يدرك غوره ومنتهاه، وقد شق عبابه أكابر علمائنا السابقين في الطب والكيمياء والفيزياء والصيدلة والفلك والرياضيات والهندسة وغيرها، وقد حازوا قصب السبق في هذا الميدان، وتربعوا أساتذة للغرب عدة قرون، وبقيت مؤلفاتهم مصادر أصيلة في أمهات جامعات أوربا حتى مطلع القرن الماضي، وكانت أبحاثهم ونظرياتهم أساسًا للأبحاث العلمية الحديثة، وقد اعترف بهذا المنصفون من العلماء المعاصرين في الشرق والغرب؛ لكن بريق الحضارة في هذا العصر خطف أبصار بعض الناشئين فظن أن أمته منبتة لا جذور لها في ميادين العلم والتقدم، وأن الحضارة والعلم إنما هو صنيعة رجال هذا العصر؛ فتنكر لأمته ولماضيها، وظن أن واقعة المتخلف إنما هو نتيجة لماضيه، ولبَّس عليه هذا دس أعدائنا، وتشويههم لماضينا العظيم المشرق، وفاته أن أمتنا قادت مركب الإنسانية إلى الخير والسعادة والسلام قرونًا طويلة؛ يوم كان غيرها من الأمم في عصور الجهل والظلام، وأن أكابر علماء تلك الأمم قد تربعوا بين يدي أجداده العلماء، يعبون من معينهم، وينهلون من مشاربهم.. وأنه لولا ما قدمه علماؤنا السابقون في الميادين العلمية المختلفة لما أدرك أبناء هذا القرن عشر معشار ما أدركوه إلا بعد فترة من عمر الزمن؛ فما على هؤلاء الذين عميت عليهم حقيقة تاريخهم وأمجادهم إلا أن يعرفوها معرفة واضحة لتكون لهم رائدًا ومنارًا، في طريق بناء المستقبل، كما أهيب بكل عالم