للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي حملهم على هذا هو القول: بأنه لو لم يكن عدلاً عنده، لكان بجزمه بالرواية عنه فاسقاً؛ لإثباته الخبر وهو لا يغلب على ظنه ثبوته، مع تعديله من ليس عدلاً.

وأجاب عن ذلك الحافظ العلائي - رحمه الله - فقال: "لا يلزم ذلك؛ لأنه لم يُكَلَّفْ إلا بما ظهر له، وقد يظهر لغيره خلاف ذلك، ويترجح على تعديل هذا، كما قد وقع للزهري - مع إمامته - في إرساله عن سليمان بن أرقم لظنه تعديله، وهو ضعيف متروك لا يُحْتَجُّ به، ومثل هذا كثير جداً، فلا تَلازُمَ بين الأمرين كما قالوا"١.

ومن هذا يتبين لنا: أن ابن القَيِّم - رحمه الله - بإطلاقه القول بقبول مراسيل التابعين - بناء على قوله هذا - قد تساهل كثيراً، وتوسَّعَ توسعاً لا يتفق مع ما قدمنا عنه: من أن المرسل لا يُقْبَلُ إلا بالشروط المذكورة، وأنه قد قَرَّرَ ذلك في غير مناسبة.

ولذلك، فإنه لا ينبغي أن يُفهمَ أن ابن القَيِّم - رحمه الله - يرتضي هذا المذهب ويعتمده في مسألة الاحتجاج بالمرسل، ولعل ما نقلناه عنه في القول بقبول المرسل بشروطه قد بلغ من الكثرة بحيث لا يُعارضُ بهذا القول الواحد، ولعله كان يرى الإطلاق ثم استقرَّ رأيه على ما هو المذهب المعتمد في ذلك، ولا سيما أنه لم ينظر إلى مراسيل التابعين نظرةً واحدة، بل كان يرى التفاوت بينها قبولاً ورداً؛ كما سيأتي في المسألة الثالثة. فهذا - من جهة أخرى - يؤكد استقرار رأيه على قبوله بشروط، والله أعلم.


١ جامع التحصيل: (ص ٨١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>