لا شك أن وضع الناس في المجتمع وما يسودهم من عادات وتقاليد، وما يحكم معاملاتهم وعلاقاتهم، يخضع - بصورة مباشرة - لما يعيشه هذا المجتمع من ظروف سياسية، داخلية كانت أم خارجية.
فالحروب المتتابعة التي تعرضت لها البلاد في تلك الفترة أدت إلى عدم الاستقرار في المجتمع، وكثرة الانتقال والترحال - الهجرة الداخلية - وذلك فراراً من خطر القتل، مع ما يصاحب ذلك: من فقدان المأوى، وتعطلِ الأعمال، وكساد التجارات، وقلة الأقوات.
ويُصَوِّرُ ابن كثير - رحمه الله - شيئاً من ذلك عندما عزم هولاكو على غزو دمشق، فيقول:"فانزعج الناصر - صاحب دمشق - لذلك، وبعثَ بحريمه وأهله إلى الكَرْك لِيُحَصِّنَهم بها، وخافَ أهل دمشق خوفاً شديداً - ولاسيما لَمَّا بلغهم أن التتار قد قطعوا الفرات - سافر كثير منهم إلى مصر في زمن الشتاء، فمات ناسٌ كثيرٌ منهم ونهبوا" ١.
وما يقال عن أثر الحروب الخارجية، يقال - أيضاً - عن أثر السياسة الداخلية لحكام البلاد، وما كان بينهم من منازعات مستمرة.
كما أننا نلمح ارتباطاً وثيقاً - كذلك - بين حالة البلاد الدينية، والحالة الاجتماعية؛ فإنَّ الفَهْمَ الصحيح للإسلام، والتطبيق السليم لأحكامه، والالتزامَ الصادقَ بتعاليمه، كل ذلك له أثر طيب على أفراد