للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والراوي إذا كانت هذه حالهُ، إنما يُخشى من تَفَرُّدِهِ بما لا يُتَابع عليه. فأما إذا رَوَى ما رواه الناس، وكانت لروايته شواهد ومتابعات، فإن أئمة الحديث يقبلون حديث مثل هذا، ولا يردونه ولا يعللونه بالجهالة. فإذا صاروا إلى معارضة ما رواه بما هو أثبت منه وأشهر: عللوه بمثل هذه الجهالة، وبالتفرد.

ومن تأمل كلام الأئمة رأى فيه ذلك، فيظن أن ذلك تناقض منهم، وهو بمحض العلم والذوق والوزن المستقيم. فيجب التنبه لهذه النكتة، فكثيراً ما تمر بك في الأحاديث، ويقع الغلط بسببها"١.

فابن القَيِّم - رحمه الله - يقرر: أن رواية مجهول العين تتقوى بغيرها من المتابعات والشواهد، وتكون مقبولة؛ حيث لم ينفرد. وأما إذا انفرد هذا المجهول بهذه الرواية، أو خالف من هو أوثق منه وأشهر: فإن خبره حينئذ يكون مردوداً؛لأنه - والحالة هذه - يكون من قبيل المنكر.

وقد أشار الحافظ الدارقطني - رحمه الله - إلى مثل ذلك، فقال: " ... فأما من لم يرو عنه إلا رجل واحد، وانفرد بخبر، وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه غيره"٢.

وقد نصَّ الحافظ ابن حجر - رحمه الله - على ذلك أيضاً، لكنه خصه برواية مجهول الحال - المستور - فقال: "ومتى توبع السيئ الحفظ بِمُعْتَبَرٍ، وكذا: المستور، والمرسل، والمدلس: صار حديثهم حسناً، لا لذاته بل بالمجموع"٣.


١ تهذيب السنن: (١/١٧٦) .
٢ سنن الدارقطني: (٣/١٧٤) .
٣ نخبة الفكر: (ص٥١ - ٥٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>