للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القَيِّم: "وإذا تأملت هذين الاحتمالين الأخيرين: رأيتهما إما راجحين على الاحتمال الأَوَّلِ، أو مساويين له، وتسقط معارضة الأحاديث الثابتة الصريحة به جملة"١.

ثم أجاب ابن القَيِّم - رحمه الله - على دعوى النَّسْخ: بأن الفسخ قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة عشر من الصحابة عَدَّهم، ثم عدَّ جملة من التابعين رووا ذلك عن هؤلاء الصحابة، ثم قال:

"فصار نقل كافة عن كافة، يوجبُ العِلْمَ، ومثل هذا لا يجوزُ نسخه إلا بما يَتَرَجَّحُ عليه أو يقاومه، فكيف يجوز دعوى نسخه بأحاديث لا تقاومه ولا تدانيه ولا تقاربه؟ وإنما هي بين مجهول رواتها، أو ضعفاء لا تقوم بهم حجة. وما صحَّ فيه: فهو رأي صاحب، قاله بِظَنِّهِ واجتهاده - وهو أصحُّ ما فيها - وهو قول أبي ذر: كانت المتعة لنا خاصة ... فلو كان ما قاله أبو ذر رواية صحيحة ثابتة مرفوعة، لكان نسخ هذه الأحاديث المتواترة به ممتنعاً، فكيف وإنما هو قوله؟؟ "٢.

قلت: لعلَّ النفس تطمئن إلى حَمْلِ كلام أبي ذَرٍّ على خصوصية الوجوب، فمراده: أن وجوب الفسخ وتحتُّمه إِنَّمَا هو خاصُّ بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأما سائر الأمة: فالأمر في حقها على الجواز، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة كما مرَّ قبل قليل.

ولم يرضه ابن القَيِّم رحمه الله، بل قال: بوجوب الفسخ في


١ زاد المعاد: (٢/١٩٣ - ١٩٤) .
٢ تهذيب السنن: (٢/٣١٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>