للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المجتمع، ألوانا من السلوك والتفكير والعواطف، وتحتم عليهم أن يصبوا سلوكهم وتفكيرهم وعواطفهم، في قوالب محددة مرسومة -على حد تعبيرهم.

ويدل على وجود القهر في الظواهر الاجتماعية -عند علماء الاجتماع- أن الفرد إذا حاول الخروج على إحدى هذه الظواهر الاجتماعية، فإنه سرعان ما يشعر برد فعل مضاد من المجتمع الذي يعيش فيه؛ ذلك لأن المجتمع يشرف على سلوك أفراده. ويستطيع توقيع العقاب، على كل من تسول له نفسه الخروج عليه. وأهون صور هذا العقاب، هو التهكم الشديد، أو السخرية المرة.

والأمثلة على وجود هذا القهر، أن المجتمع لا يسمح لنا مثلا أن نتحدث باللغة العربية لمن يفهمها، ولا أن نحدث العامة مثلا باللغة الفصحى، التي لا تسمو إليها مداركهم، فإن كل من يحاول الخروج على السلوك اللغوي لجماعته، يعد خارجا على الظواهر الاجتماعية نفسها.

وقصة أبي علقمة الثقفي، الذي اشتهر باستعمال الغريب والوحشي من الألفاظ، في حواره مع طبيب جاءه يشكو إليه من مرض ألم به، خير مثال لهذه القضية، من تراثنا العربي، فقد "دخل أبو علقمة على أعين الطبيب، فقال له: أمتع الله بك! إني أكلت من لحوم هذه الجوازل، فطسئت طسأة، فأصابني وجع ما بين الوابلة إلى دأية العنق، فلم يزل يربو وينمي حتى خالط الخلب والشراسيف، فهل عندك دواء؟ فقال أعين: نعم، خذ خربقا وشلفقا وشبرقا، فزهرقه وزقزقه، واغسله بماء روث واشربه. فقال أبو علقمة: لم أفهم عنك! فقال أعين: أفهمتك كما أفهمتني"١.


١ انظر عيون الأخبار ٢/ ١٦٢.

<<  <   >  >>