ويروى أن الشيخ "حمزة فتح الله" رحمه الله، وكان مفتشا بالمدارس المصرية، قدم ذات يوم من رحلة تفتيشية له بمدارس الريف، وعندما وصل به القطار إلى محطة القاهرة نظر حوله، لعله يجد رجلا يحمله على حماره إلى بيته -أيام كانت الحمير هي الوسيلة الوحيدة للنقل- فبصر برجل يجر خلفه حمارا فناداه:"أيها المكاري! "، فقال الرجل:"نعم" فقال الشيخ حمزة: "إيتني بأتان جمزى! "، فظن الرجل أنه يتكلم لغة أجنبية، فقرب منه، وجعل يستطلع جلية ما يريد، حتى أخذ منه الجهد، ولم يحظ منه بطائل. وهنا حلت العقوبة بالشيخ حمزة؛ إذ تركه صاحب الحمار، وذهب لحال سبيله، وهرول الشيخ إلى بيته، وهو يقول:
مشيناها خطى كتبت علينا ... ومن كتبت عليه خطى مشاها١
وهذا القهر الذي يفرضه المجتمع على أفراده، يختلف بالطبع شدة وضعفا، إلا أنه موجود دائما، حتى ولو لم نشعر به حين نستسلم له. ويرى علماء الاجتماع، أن ضروب السلوك والتفكير، لا توجد خارج شعور الفرد فحسب، بل تمتاز كذلك بقوة قاهرة آمرة، هي السبب في أنها تستطيع أن تفرض نفسها على الفرد، شاء أم أبى. حقا إن الإنسان ربما لا يشعر بهذا القهر، أو لا يكاد يشعر به، حين يستسلم له بمحض اختياره؛ لأن الشعور بالقهر في مثل هذه الحالة ليس مجديا، ولكن ذلك لا يحول دون أن يكون القهر من خصائص الظواهر الاجتماعية.
ويهمنا هنا بالطبع اللغة، من بين الظواهر الاجتماعية، وهي أداة للتعبير عما يدور في المجتمع، فهي تسجل لنا في دقة ووضوح الصور المختلفة المتعددة الوجوه، لهذا المجتمع، من حضارة ونظم وعقائد، واتجاهات فكرية وثقافية، وعلمية وفنية واقتصادية وغير ذلك.