للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تبدو في اللغة المتكلمة، منفصلة منفصمة مقطعة الأوصال، بل إن الترتيب نفسه يختلف فيها عنه في الأولى كل الاختلاف؛ إذ ليس هنا ذلك الترتيب المنطقي، الذي تمليه قواعد النحو، بل ترتيب له منطقه أيضا، ولكنه منطق انفعالي قبل كل شيء، فيه ترص الأفكار، لا وفقا للقواعد الموضوعية، التي يفرضها التفكير المتصل، بل وفقا للأهمية الذاتية، التي يخلعها عليه المتكلم، أو التي يريد أن يوحي بها إلى سامعه.

ويقول فندريس: "فكرة الجملة بالمعنى النحوي، تتلاشى في لغة الكلام، فإني عندما أقول: الرجل الذي تراه هنالك جالسا على الرمال، هو ذلك الذي قابلته بالأمس عند المحطة. أراني أستخدم طرائق اللغة المكتوبة، فلا أصوغ غير جملة واحدة، ولكني لو تكلمت لقلت: شايف كويس الراجل ده.. عندك هناك.. قاعد قدامك ع الرمل.. أهو ده.. أنا شفته إمبارح.. كان ع المحطة. فكم يوجد من الجمل هنا! "١.

ومن أمثلة اللغة الانفعالية، في العربية الفصحى: قول العجاج الراجز:

حتى إذا جن الظلام واختلط

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

إننا هنا لسنا في حاجة لتأويل النحاة، وادعائهم حذف الوصف، وأن الأصل: بمذق مقول فيه: هل رأيت الذئب قط، وأن الجملة الطلبية معمولة لهذا القول المقدر٢، فما قصد العجاج إلى شيء من هذا!


١ اللغة لفندريس ١٩٢.
٢ انظر: خزانة الأدب ١/ ٢٧٦ وشرح ابن عقيل للألفية ٢/ ٢٠٤.

<<  <   >  >>