هذه هي بعض أمثلة الصراع الذي يحدث بين لغتين كبيرتين. فما لون الصراع الذي ينشأ بين لغة مشتركة، تمثل مدنية منظمة تنظيما قويا، ومجموعة من اللهجات المحلية، لا وحدة لها، ولا تناسق بينها؟
تتمثل لنا هذه الحالة في موقف اللغتين: الفرنسية والبريتانية، وهي اللغة الأصلية لمقاطعة "البريتون" Bretagne في غربي فرنسا. فإن المنافسة في هذه الحالة، تدور حول انضمام دائم، لعدد كبير من عناصر إحدى اللغتين إلى الأخرى، حتى ينتهي الحال بأن تفقد إحداهما معالمها اللغوية؛ ذلك أن اللغة الفرنسية، توغلت في كل اللهجات البريتانية؛ لأنها لغة الحضارة التي تحمل معها تيارا جارفا من الكلمات الجديدة، التي تمثل أشياء وأفكارا وعادات جديدة، كما أن الدين والآداب الفرنسية، قد ملأت اللهجات البريتانية بالكلمات الفرنسية، عن طريق كتب العبادة والتهذيب، منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، وما زالت حتى الآن تطغى بمفرادتها؛ لأن تعليم اللغة الفرنسية في المدارس البريتانية، والخدمة العسكرية الإجبارية، وغيرها من العوامل الأخرى، قد جعلت غالبية أهل مقاطعة البريتون يتكلمون لغتين: البريتانية والفرنسية.
وكان التوغل قبل ذلك، يقوم على نوع من التسرب غير المحسوس، فكانت البريتانية تتلقى عن غير شعور منها، عددا من الكلمات الفرنسية، أخد يزداد يوما بعد يوم، غير أن البريتانيين كانوا وقتذاك يتكلمون لغتهم وحدها، وإن دخلت فيها ألفاظ فرنسية؛ ذلك لأن الفوائد التي يمكن الحصول عليها من معرفة الفرنسية، تفوق كثيرا تلك التي يمكن الحصول عليها من معرفة البريتانية وحدها؛ لأن الفرنسية لغة برجوازية تستعمل دون سواها في مجمعات المدن، وتغري بنات الريف بالتحدث بها، كما تغريهن ثياب الطبقة الراقية بارتدائها، ولا يخفى أن عقلية الشعوب، تكاد تكون