للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما إذا كان الصراع بين اللغتين شديدا، وطول الأمد، فإن اللغة المقهورة، قد تحتفظ بمفردات كثيرة، تدخل في اللغة الغالبة. مثال ذلك: ما حدث بين لغة الإنجليز السكسون بإنجلتر، ولغة الفاتحين من الفرنسيين النورمانديين؛ إذ خرجت الإنجليزية المنتصرة في هذه الصراع، وقد فقدت ما يقرب من نصف مفرداتها الأصلية، واستبدلت به كلمات من اللغة النورماندية المغلوبة.

وفي المرحلة الثانية:

تتغير مخارج الأصوات، ويقترب النطق بها، من النطق بأصوات اللغة الجديدة شيئا فشيئا، حتى تصبح على صورة تطابق أو تقارب الصورة التي هي عليها في اللغة المنتصرة، وذلك بأن يتصرف المغلوب تصرف الغالب في النطق بالأصوات، فتتسرب بذلك أصوات اللغة الغالبة إلى اللغة المغلوبة، في طريقة نطقها، ونبرها، ومخارجها، فينطق أهل اللغة المغلوبة ألفاظهم الأصيلة، وما انتقل إلى لغتهم من كلمات دخيلة، متخذين نفس المخارج، ونفس الطريقة، التي يسير عليها النطق في اللغة الغالبة. وهذه المرحلة تعد أخطر مراحل الصراع اللغوي؛ إذ يزداد فيها انحلال اللغة المغلوبة، ويشتد قربها من اللغة الغالبة.

وفي المرحلة الثالثة:

تفرض اللغة المنتصرة قواعدها وقوانينها اللغوية الخاصة بالجمل والتراكيب، وبهذا تزول معالم اللغة المقهورة، وحينئذ تبدأ اللغة المنتصرة، في إحلال أخيلتها واستعاراتها، ومعانيها المجازية، محل الأخيلة والاستعارات والمعاني، للغة القديمة، التي تموت شيئا فشيئا.

إلا أن النصر لا يتم للغة من اللغات، إلا بعد أمد طويل، قد يصل أحيانا إلى أكثر من أربعة قرون، فالرومان أخضعوا بلاد الجال في القرن الأول الميلادي، ولكن لم تتم الغلبة للغة اللاتينية، إلا في القرن الرابع.

<<  <   >  >>