الفجاءة والمختار الثقفي، وأما السبب الثاني فقيام ديوان الرسائل، وظهور طبقة من الكتاب المحترفين في هذا الديوان، لا في دواوين الخلفاء وحدهم، بل أيضا في دواوين الولاة، وكان قادة الجيوش أيضا يتخذونهم، ليراسلوا عنهم من يريدون مراسلته، ومعروف أن ديوان الخراج كان يقوم عليه في أول الأمر كتاب من الأجانب، يكتبون فيه بلغاتهم الأصلية، حتى إذا كان عصر عبد الملك نقل هذا الديوان إلى العربية، فأصبح الشأن فيه كالشأن في ديوان الرسائل يليه العرب، ولم يلبث الأجانب أن سعوا إلى تعلم العربية، وشاركوا في ديوان الرسائل نفسه.
ويقدم لنا كتاب الوزراء، والكتاب للجهشياري أثباتا طويلة بأسماء من كانوا يلون الديوانين: ديوان الرسائل وديوان الخراج، وهي أثبات تدل دلالة قاطعة على أن من نهضوا بالكتابة السياسية في هذا العصر إنما هم العرب، وظلوا على ذلك طويلا، حتى أوشك القرن الأول للهجرة على الزوال، فشاركهم الأجانب مشاركة بدت قاصرة في أول الأمر، حتى إذا كان عصر هشام بن عبد الملك "١٠٤-١٢٤هـ"، وجدنا على ديوانه مولى كان يحسن اليونانية، وينقل عنها بعض رسائل وهو سالم، الذي تخرج على يديه عبد الحميد الكاتب الفارسي الأصل.
ومعنى ذلك أن كتابة الرسائل السياسية الرسمية نشأت في حجر العرب، ونمت تحت أيديهم، فقد أخذت في الظهور منذ صدر الإسلام، ومنذ أن جدت تلك المشكلات التي اقتضت أن يكتب فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه، وبمضي الزمن أخذت مشاكل الدولة في التعقد، كما أخذ العقل العرب ينمو ويرقى، فنمت ورقيت معه تلك الصناعة، وتوفر عليها جماعة من بلغاء الخطباء، كما توفرت عليها جماعة من الكتاب المحترفين الذين توظفهم الدولة للعناية بها، وحقا يقال: إن العرب استعاروا نظم الدواوين من لدن الفرس١،