للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأضرابه، ونسوق مثالين منه، أما أولهما فما كتب به الحسن إلى عمر بن عبد العزيز في صفة الإمام العادل، وهو يطرد على هذه الشاكلة١:

"اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفه كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والقر٢. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغارًا ويعلمهم كبارًا، يكتسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة بولدها، حملته كراها، ووضعته كراها، وربته طفلا، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته ... ".

وتحمل هذه القطعة من الرسالة كل الخصائص التي سبق أن تحدثنا عنها في خطابة الحسن، ففيها الازدواج والترادف الصوتي والتكرار، وفيها التقابل والطباق والتشبيهات، وغير ذلك من حلي بيانية، وقد مضى الحسن يقتبس فيها من آي الذكر الحكيم ما يصور به فكره ويوشي به تعبيره، أما المثال الثاني فنسوقه من رسائل غيلان الدمشقي، إذ يقول٣:

"إن التراجع في المواعظ يوشك أن يذهب يومها، ويأتي يوم الصاخة٤، كل الخلق يومئذ مصيخ٥، يستمع ما يقال له ويقضى عليه "وخشعت الأصوات للرحمن، فلا تسمع إلا همسا"، فاصمت اليوم عما يصمتك يومئذ، وتعلم ذلك حتى تعلمه، وابتغه حتى تجده، وبادر قبل أن تفجأك دعوة


١ العقد الفريد ١/ ٣٤.
٢ القر: البرد.
٣ عيون الأخبار ٢/ ٢٤٥.
٤ يوم الصاخة: يوم القيامة.
٥ مصيخ: مرهف أذنه وسمعه.

<<  <   >  >>