للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ما نذهب إليه من أن الكتابة الرسمية الفنية عند العرب لم تأتهم من الخارج، فقد نشأت في حجورهم بحكم حياتهم الإسلامية والسياسية الجديدة ومشاكلها المختلفة، فالأجانب لم يبتكروها لهم، بل كل ما هنالك أنهم أسهموا معهم فيها، وتأخر هذا الإسهام إلى أن أظهر سالم وأشباهه.

ولم تكن الرسائل السياسية وحدها هي التي يطرد لها النمو والازدهار، بل شاركتها في ذلك الرسائل الاجتماعية أو الشخصية، لسبب بسيط، وهو أن من كانوا يكتبونها كانوا يعيشون في تلك الحقب التي أخذ البلغاء يهتمون فيها بتنميق أساليبهم، وإبداعها ضروبا من البيان والفصاحة، ونسوق مثلا لها رسالة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر إلى رجل من إخوانه١:

"أما بعد فقد عاقني الشك في أمرك عن عزيمة الرأي فيك، ابتدأتني بلطف عن غير خبرة، ثم أعقبتني جفاء عن غير ذنب، فأطعمني أولك في إخائك، وأبأسني آخرك من وفائك، فلا أنا في اليوم مجمع لك اطراحًا، ولا أنا في غد وانتظاره منك على ثقة، فسبحان من لو شاء كشف بإيضاح الرأي في أمرك عن عزيمة فيك، فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف، والسلام".

والرسالة على قصرها يتضح فيها جهد كتابها في تحبيرها، فقد بناها على الطباق والمقابلة بين المعاني والألفاظ، والتوازن بين العبارات والكلمات الفصيحة ذات المخارج الحسنة، وكان شرعا بينا وخطيبا لسنا، فأضفى من لسنه وبيانه على رسالته.

وإذا تركنا الرسائل الاجتماعية الشخصية، والسياسية الرسمية إلى الرسائل الدينية والجدلية، وجدنا أصحابها هم أنفسهم أرباب البيان والبلاغة من الخطباء المفوهين أمثال الحسن البصري، وغيلان الدمشقي.

وكانت هذه الرسائل تستخدم الأسلوب المزدوج الذي أخذ بأطراف من التصوير والطباق، والذي سبق أن لاحظناه في خطابة الحسن البصري


١ البيان والتبيين ٢/ ٨٤-٨٥، وزهر الآداب ١/ ٧٨.

<<  <   >  >>