للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنفسهم، فقد روى الجاحظ في بيانه رسالتين متبادلتين بين عبد الملك بن مروان، وعمرو بن سعيد بن العاص حين ثار عليه، وليستا مسجوعتين، ولكن أثر الصنعة والتأنق باد عليهما١، ومعنى ذلك كله أن الكتاب أصبحوا منذ هذه الحقبة من العصر يتفننون في رسائلهم، ويحاولون جاهدين أن تلمع عليها آثاره من الجمال الفني.

وإذا مضينا إلى أوائل القرن الثاني للهجرة، وإلى عصر هشام بن عبد الملك "١٠٤-١٢٤هـ"، وجدنا على رأس ديوانه مولى له يسمى سالما٢ ينهض بكتابة هذه الرسائل السياسية نهضة واسعة، وكان يعرف اليونانية، وترجم منها بعض رسائل لأرسطاطاليس٣، وعده صاحب الفهرست أحد البلغاء العشرة الأوَل في تاريخ العرب وأدبهم٤، ويقول: إن له رسائل تبلغ نحو مائة ورقة٥، غير أن هذه الرسائل لم تصلنا، ولولا أن الطبري احتفظ لنا برسالة كتبها عن هشام إلى خالد القسري٦ لم نكد نعرف شيئا واضحا عن فنه وبيانه، ومن يرجع إليها يلاحظ أنه عني بأسلوبه عناية تشبه عناية الوعاظ من أمثال الحسن البصري بأسلوبهم، وما كانوا يوفرون له من الازدواج والترادف الصوتي، وكان يتكئ على الحال اتكاء شديدًا في صياغته.

وليس تحت أيدينا من النصوص ما نستطيع به أن نحكم على مدى التأثير اليوناني في كتابه سالم، وإن كان يظن أن هذا التأثير كان عميقًا، وقد تخرج عليه عبد الحميد أنه كتاب العصر وأشهرهم، وسنعرض له عما قليل، على أنه ينبغي أن نلاحظ هنا شيئا مهما، وهو أن التأثير الأجنبي في الكتابة العربية الفنية لم يدخل أول الأمر عن طريق الفهرس، وكاتبهم ابن المقفع، مما جعل بعض المستشرقين يزعم أنهم هم الذين أعاروا العرب هذا الفن النثري، بل لقد دخل كما نرى الآن عن طريق سالم الذي كان يحذق اليونانية، ولعل في ذلك ما يدل


١ البيان والتبيين ٤/ ٨٧.
٢ الوزراء والكتاب للجهشياري ص٦٢.
٣ الفهرست ص١٧١.
٤ الفهرست ص١٨٢.
٥ الفهرست ص١٧١.
٦ الطبري، القسم الثاني ص ١٦٤٢.

<<  <   >  >>