للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهلها عند قحوط المطر، حتى أرسل الله بالقبول١ يوم الجمعة، فأثارت زبرجا٢ متقطعا متمصرا٣، ثم أعقبته الشمال٤ يوم السبت، فطحطحت٥ عنه جهامه٦. وألفت متقطعة، وجمعت متمصره، حتى انتضد٧، فاستوى، وطما وطحا٨، وكان٩ جونا١٠ مرثعنا١١ قريبا رواعده، ثم عادت عوائده بوابل منهمل منسجل١٢، يردف١٣ بعضه بعضًا، كلما أردف شؤبوت أردفته شآبيب١٤ بشدة وقعة في العراض١٥. وكتبت إلى أمير المؤمنين، وهي ترمي بمثل قطع القطن، قد ملأ اليباب١٦، وسد الشعاب١٧، وسقى منها كل ساق، فالحمد لله أنزل غيثه، ونشر رحمته من بعدها قنطوا١٨، وهو الولي الحميد. والسلام".

وواضح أن هذه الرسالة ليست مسجوعة، ولكنها مع ذلك قد أحكمت صنعتها، سواء من حيث اختيار ألفاظها، والذهاب بها مذهب الغريب المقبول، أو من حيث دقتها في تصوير الجذب ثم نزول الغيث، وهو تصوير لا شك قد فكر فيه الحجاج طويلا، قبل أن يحكمه ويضبط التشبيهات، والاستعارات التي تمثله. وكأن شاعر يجمع أشتات خياله، ليؤلف هذه اللوحة البديعة.

ولم تبلغ صنعة الرسائل هذا المبلغ من الإتقان عند الحجاج وحده، فقد كان يشركه في ذلك معاصروه من الولاة والقواد وكتابهما، بل من الخلفاء


١ القبول: الريح الشرقية.
٢ الزبرج: السحاب الرقيق الخفيف.
٣ متمصرا: متقطعًا.
٤ الشمال: الريح الشمالية.
٥ طحطحت: فرقت وبددت.
٦ الجهام: السحاب لا ماء فيه.
٧ انتضد: تراكمت طبقاته بعضها فوق بعض.
٨ طما: امتلأ وزخر، وطحا: انبسط وملأ الجو.
٩ كان هنا بمعنى صار.
١٠ الجون: الأسود.
١١ مرثعنا: مسترسلا سائلا.
١٢ منسجل: منصب.
١٣ يردف: يتبع.
١٤ الشآبيب: جمع شؤبوب، وهو الدفعة من المطر.
١٥ العراض: جمع عرض بضم العين، وهو الناحية.
١٦ اليباب: الخالي الذي لا شيء فيه.
١٧ الشعاب: المسالك والسبل.
١٨ قنطوا: يئسوا.

<<  <   >  >>